14 سبتمبر 2025
تسجيللاشك أن انعقاد القمة العربية الإفريقية بالكويت والتي ستنطلق أعمالها غدا الثلاثاء ينطوي على أهمية استثنائية في ظل المعطيات التي يواجهها الطرفان واللذان باتت لديهما قناعة قوية بالمضي قدما في طريق طويل بدأ منذ عقود تحديدا في الفترة 7-9 مارس من العام 1977 حيث استضافت العاصمة المصرية أول قمة بينهما وضعت المرتكزات الرئيسية للتعاون والشراكة ولكنها سرعان ما اختفت من فرط التدهور الذي مضى فيه الوطن العربي بعد دخول الرئيس المصري الراحل أنور السادات في خندق كامب ديفيد والتي شكلت اتفاقيتها الموقعة مع الكيان الصهيوني قيودا على حركة مصر في إفريقيا بل وفي محيطها العربي مما جعلها تنكفئ على الذات وتتقلص مكانتها الإقليمية في عصر الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك الذي لم يعر إفريقيا المساحة الضرورية من الاهتمام لاسيَّما بعد تعرضه لمحاولة اغتيال بعد وصوله إلى إثيوبيا للمشاركة في قمة إفريقية بها. لا أود أن أركز على الماضي لكن دعونا نستغل مناسبة انعقاد قمة الكويت والتي تأتي بعد أربع سنوات من القمة الثانية التي عقدت بمدينة سرت في أكتوبر من العام 2010 ونتحدث عما ينبغي أن يكون على صعيد العلاقات الإفريقية العربية في ظل عدد من المحددات الأساسية. أولها: أن الجانبين يتداخلان من حيث التاريخ والجغرافيا بل والطموحات والأشواق للحرية والديمقراطية والتحرر من كوابيس الحقبة الاستعمارية التي ما زالت تداعياتها مستمرة حتى اللحظة. ثانيا: إن الوطن العربي والقارة الإفريقية يمتلكان ثروات وموارد هائلة فضلا عن القوة البشرية الواعدة والقادرة على إحداث التغيير التنموي لكن تنقصهما الإرادة السياسية لتوظيف هذه المقومات القوية والتي لو أحسن استغلالها لحولت التعاون بين الطرفين إلى أنموذج بوسعه أن يوفر الغذاء والطاقة ليس لشعوبهما فحسب ولكن لشعوب العالم وتتعين الإشارة في هذا الشأن إلى أن العالم المتقدم ما زال يعتمد في نموه المتصاعد على هذه المقومات حتى الآن. ثالثا: إن التقارب الحضاري المتمثل في العادات والتقاليد ومنظومة القيم المتشابهة فضلا عن وجود عنصر الدين سواء الإسلام أو المسيحية يمثل أرضية يمكن الانطلاق منها لدفع الشراكة بين الطرفين إلى آفاق أكثر رحابة بمقدورها أن تحقق نقلة نوعية لصالح التنمية والتقدم لديهما وذلك يتطلب التخلص من الموروثات القديمة التي صنعتها الحقبة الاستعمارية التي مارست كل ما من شأنه أن يوسع المسافات بينهما. في ضوء ذلك فإن قمة الكويت مطالبة بجملة من الخطوات الضرورية التي تعلي من قيمة الشراكة ووضعها كإطار للحراك الجماعي أو الحراك على مستوى ثنائي بين الدول التي تنتمي للمنظومتين. أول هذه الخطوات تتمثل في تجاوز الخلافات والتباينات السياسية والتي شكلت في العقود الماضية حاجزا أمام تفعيل التعاون بين الطرفين وبقائه في نطاق محدود للغاية وقد فعل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح صنعا باستبعاد الملفات السياسية من جدول أعمال القمة والتركيز على القضايا التنموية والاقتصادية، وحسبما يقول الشيخ سالم عبد العزيز الصباح وزير المالية الكويتي خلال افتتاحه لأول فعاليات القمة يوم الإثنين الماضي والمتمثلة في المنتدى الاقتصادي العربي الإفريقي فإن ثمة فرصا متاحة أمام الدول العربية والإفريقية تتيح النهوض باقتصاداتها وتحقق مصالحها وطموحات شعوبها إذا ما أحسن استغلالها مبينا أن الدول العربية والإفريقية بحاجة إلى حشد الموارد المالية اللازمة لتنفيذ برامج ومشروعات في قطاعات اقتصادية واجتماعية مختلفة من خلال استقطاب رؤوس الأموال من مصادر محلية وخارجية، بما في ذلك من الدول المانحة ومؤسسات التنمية الوطنية والإقليمية والدولية والقطاع الخاص. ويلفت الشيخ سالم الصباح إلى تداعيات وارتدادات الربيع العربي بقوله إن الدول الإفريقية شهدت نموا اقتصاديا مطردا وتحسنا في مؤشرات التنمية الاجتماعية، وكذلك الحال بالنسبة إلى الدول العربية ولكن هذا النمو الاقتصادي لم يفلح في تحقيق طموحات الملايين من شعوبنا، وهو ما تدل عليه الأحداث والتغيرات التي نشهدها اليوم في دول عربية وإفريقية، والتي ترجع إلى تفشي البطالة والفقر والجوع وعدم توافر الخدمات الاجتماعية كالتعليم والصحة والمياه الصالحة للشرب والكهرباء ووسائل النقل. أما ثاني هذه المطالب فيكمن في تقديري في وضع آليات جديدة للتعاون تقوم على تغيير تصورات كل طرف للآخر فلا يبنغي أن تظل النظرة الإفريقية للدول العربية خاصة الدول الخليجية باعتبارها مجرد حامل للأموال في حين ينظر الطرف العربي إلى الدول الإفريقية بحسبانها مستهلكا وقليل الخبرة والحيلة فمع التحولات والمتغيرات التي يشهدها العالم والتي انعكست إيجابيا على الطرفين فإن هناك إمكانية قوية لتحقيق نوع من التكامل بينهما مع استغلال الميزات النسبية لكل طرف فالدول الإفريقية تمتلك الأراضي بمساحات شاسعة وثروات معدنية بكميات ضخمة فضلا عن البشر الذين حققوا في السنوات الأخيرة تطورا معقولا على صعيد التعليم والتقنية وفي المقابل فإن الدول العربية بما لديها من مقومات مالية وقدرات استثمارية يمكنها أن تحقق قفزات مهمة في إفريقيا وأظن أن ثمة محاولات جادة تحققت في هذا الشأن خاصة على صعيد الزراعة وتربية الحيوانات لكن الفترة المقبلة في ضوء قمة الكويت يجب أن تحقق تفاعلا حقيقيا بين الجانبين من شأنه أن يسهم في حل معضلات غذائية ونقص واضح في الاحتياجات اليومية لشعوب الجانبين مما اضطرهما خلال العقود الماضية إلى الاستعانة بما هو مستورد من أوروبا وأمريكا الأمر الذي جعلهما يوظفان ذلك سياسيا باتجاه فرض شروط معينة على دول الجانبين. ثالثا: إن الدول العربية باتت مطالبة بشكل خاص بتشكيل آلية خاصة لتقديم أنواع مغايرة من المساعدات لإفريقيا خاصة على الصعيد السياسي والأمني والعسكري والعلمي والتقني والتي تهيمن عليها خاصة في ظل الغياب المصري عن القارة الإفريقية لدول مثل إسرائيل وإيران والهند وبالطبع هناك أمريكا وبريطانيا وفرنسا والتي ما زالت تتعامل مع إفريقيا من منظور استعماري متعال. السطر الأخير: انتبهي العاشق يبحث عنك يسألك البقاء وليس الرحيلا فأنا اصطفيتك من بين ورود الكون فكوني فاتحتي خضرة تعانق الحقول