13 سبتمبر 2025
تسجيلتاريخ النفاق والخيانة في هذا العالم قديم بالغ القدم، لا يمكن حصره، وتصعب معرفة بدايته بالضبط. والمقصود هنا حالة بعض الناس أو الكيانات، التي تسمى أحيانا دولا، عندما يُظهر هؤلاء الولاء والانتماء لأمة من الأمم وهم في الحقيقة يخفون حقدا عليها وتحالفا مع عدوها. لكن العملاء الخائنين لا يستطيعون إخفاء تحالفهم مع العدو طول الوقت، وبمرور الزمن يفتضح أمرهم مهما أصروا على النفي. من أقدم تلك الخيانات شهرة في التاريخ خيانة يهوذا الاسقريوطي للمسيح. فقد احتفظت ذاكرة التاريخ بأن يهوذا ذاك تآمر على تسليم المسيح لليهود مقابل ثمن بخس، ثم ما لبث أن ندم وانتحر، ولم يأبه به اليهود الذين ساعدهم. وظل هؤلاء طرفا في خيانات كثيرة منذ ذلك الوقت، يهمنا منها ومن غيرها ما ضرب راحلة العروبة والإسلام، في مقتل في أحيان كثيرة، ونتحدث هنا عن أخطر تلك الخيانات التي غيَّرت مجرى التاريخ. من أشهر الخونة والمنافقين في التاريخ العربي «أبو رغال» الذي ساعد أبرهة الحبشي في محاولته الفاشلة لهدم الكعبة، حتى صار رمزا للخيانة لدرجة أن الناس كانوا يرجمون قبره بعد أن يحجوا إلى الكعبة قبل ظهور الإسلام. ولم يمض وقت طويل حتى ظهر ابن سلول الذي كان يتظاهر بالإيمان عند الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ويبطن الكفر والنفاق والولاء لليهود والمشركين. وبعد ذلك بقليل أيضا جاءت خيانة ابن سبأ، الذي كان يهوديا وتظاهر بالإسلام ووجه له أشد الطعنات التي ما زلنا نعاني منها للآن. وعلى نفس المنوال سار شخص يدعى ابن العلقمي وكان وزيرا لآخر خليفة عباسي، وهو المستعصم بالله، فخانه وقدم له نصائح فاسدة بتقليص عدد الجيش، بحجة تقليل نفقات الدولة، ولكنه كان يتواصل مع التتار لتسهيل انهزام المسلمين أمامهم، وهو ما قضى على الدولة العباسية في بغداد. بعده وفي زمن الحملات الصليبية حدثت خيانات عدة من حكام عرب مسلمين أشهرها قيام الملك الكامل الأيوبي بتسليم القدس للصليبيين من دون قتال عام 1237م، مقابل بقائه حاكما على بعض المدن الأخرى، وذلك بعد 42 عاما فقط من تحريرها على يد عمه صلاح الدين الأيوبي عام 1187. بعد ذلك تأتي خيانة «مراد كيراي» حاكم القرم العثماني وقت الحملة العثمانية لفتح فيينا، والذي كلفه الصدر الأعظم حينها مصطفى باشا بحماية جسر إستراتيجي ومنع مرور الأوروبيين عليه. ولكن حقد كيراي، خاصة، ومعه مجموعة من الوزراء والقادة الحاسدين لمصطفى باشا، دفعه لعصيان الأوامر وفتح الجسر. وكانت نتيجة عصيانه هزيمة المسلمين في معركة فيينا الشهيرة في 12 سبتمبر 1683، والتي توقف بعدها المد الإسلامي في أوروبا. وعلى نفس الخطورة كانت خيانة شخص يدعى مير جعفر، دفعه الحقد والغيرة من الحاكم سراج الدولة، والد زوجته، إلى تحطيم الإمبراطورية المغولية في شرق آسيا في معركة شهيرة عُرفت بمعركة «بلاسي» 1757، حيث تحالف مع الإنجليز الذين كانوا حتى ذلك الوقت لا يسيطرون إلا على أطراف ساحلية من الهند وبعدها سقطت الهند كلها بأيديهم، ليفقد المسلمون حكمهم تدريجيا في القارة الآسيوية. ويبدو أن الخونة والمنافقين والعملاء لا يتعظون ولا يتعلمون ولا يتوقفون، رغم أن نهاية هؤلاء الخونة والمنافقين دائما كانت هي الذل والهوان وأحيانا القتل على يد العدو الذي ساعدوه. فها نحن في عصرنا الحديث نرى حولنا كثيرا من الخونة الجدد الذين يسارعون في التعامل مع العدو الأزلي والحالي للأمة بلا حياء ولا خجل، ودون أن يطرف لهم جفن. وهؤلاء سيكتب عنهم التاريخ لاحقا ما لو انكشف الآن فلن يستطيع أن يصدقه الكثيرون. حفظ الله بلادنا وأمتنا من شر الخونة الجدد، الذين توشك خيانتهم أن تغير مجرى التاريخ مرة أخرى.