الـرفـاقـة.. وطـــن

قد تكون الرفقة من أقوى دعائم الحياة بعد الصلاة، كل منا لديه رفيق العمر أو الخوي الذي تحبه ويحبك في الله، اغمض عينيك، واسرح في ذاكرتك القريبة والبعيدة عن شخص قضيت جزءاً من حياتك تعلمت منه وتبادلت معه حلو العيش ومر المواقف والخبرات المختلفة، هذا الشخص الذي تتقاسم معه الهموم فيعمل على تطمينك وتخفيف آلامك، هذا الشخص هو الذي يسعى دوما لإسعادك. رفيق العمر قد لا يكون فرداً واحداً فقط، الصديق الصدوق هو رفيق عمر يتربى معك منذ سنوات الطفولة الأولى مروراً بمراحل الدراسة المختلفة وبعد الجامعة والانخراط في العمل، يسافر معك، تراه شبه يومي في المجلس أو الديوانية، تتواصل معه عبر الهاتف باستمرار، يتفقد أحوالك ويشعر بأي تغير يمكن أن يطرأ عليك حتى من نبرة صوتك، ويحفظ غيبتك ويدافع عنك كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة عندما وضع يده الشريفة الثانية قائلا "هذه عن عثمان". ورفيق العمر أيضاً هو الزوجة السكن، الزوجة التي تشمل زوجها بكل أصناف الرعاية والاهتمام، والتي تقف معه في مواجهة أعاصير الحياة المختلفة وتدافع عنه حتى ولو تعلم أنه على خطأ في بعض الأحيان. الزوجة رفيق مستمر يتميز بالحلاوة والحب والانسجام، هي رفيق يسد عنك في البيت من تربية الأبناء وتدبير شؤون المنزل والدعم في مجالات الاهتمام والتجارة والعمل، وما زلت أذكر عندما تزوجت إحدى أخواتي من طالب في مرحلة الماجستير كان يفصح دوماً أنها ساعدته كثيرا في التكاليف والأبحاث فارتفع تقديره إلى الامتياز. ورفيق العمر أيضاً هو الابن الذي لابد أن يكون القريب إلى والده يفضي له بأسراره ويسند عليه ظهره ويعين كلاهما الآخر على متاعب الحياة، فيكون الأب الصديق المقرب الذي يسافر مع ابنه ويخرجان سويا في المناسبات الاجتماعية ويستقبلان معا ضيوف المجلس ويتقاسمان بعض الأسرار الخاصة، وقد صادف أن قمت بتدريس طالب وأبيه في نفس الفصل في أحد مقررات كلية التربية الأساسية بدولة الكويت، ولا أبالغ أنني رأيت فيهما صورة الصداقة الحقة... حقاً الرفاقة وطن. يذكر علماء الاجتماع أن هناك سمات لصديق العمر: • تقاسم الاهتمامات المشتركة واحترام نقاط الاختلاف. • الصدق في المصارحة كي تستمر الصداقة بشفافية دون حمل أي شيء في النفس. • الاحتفاء بالإنجازات لكلا الطرفين تعبيراً عن المحبة الحقيقية. • التفهم للأوضاع التي يمر بها الصديق دون العتاب أو الزعل. • الحرص على البقاء سويا لمدة أطول ما يمكن. وما كان كعب بن مالك لينساها لطلحة رضي الله عنهما يوم أن ذهب كعب إلى المسجد متهللاً بعد أن نزلت آية التوبة فيه، فلم يقم إليه أحد من المهاجرين إلا طلحة قام فاحتضنه وآواه بعد غياب طويل واقتسم معه فرحته. فالرفقة للرفقة وطن يغفرون الزلات ويقيلون العثرات ويوسعونهم ضماً ويغدقون عليهم الحنان ويحلون محلهم إذا تغيبوا، ويحسنون بهم الظنون والله يحب المحسنون. كم يفقد الإنسان عندما يخسر أحد أصدقائه؟، في الواقع يخسر كثيراً ولكن!!!! علينا أن نتكيف مع الظروف المختلفة مهما كانت صعبة، فلا تقف الحياة على شخص بعينه حتى ولو كان صعباً وجود من يحل مكانه، لأننا سنفاجأ بأن الله سيعوضنا بالخلف المناسب، فثقافة الفقد يجب أن نتدرب عليها جميعا كي لا يكون بُعد الصديق - لأي ظرف - عبارة عن انكسار حقيقي للنفس، فليس من الضروري أن يكون الصديق بقربك كي تتنفس، ولا يمكن الاعتماد على الخوي كي أضحك، وليس شرطاً أن يكون الرفيق حولي كي أنجح، كما لا يمكن أن أربط سعادتي الدائمة بامتلاكي شخصاً ما، لابد أن نكون جاهزين في يوم من الأيام أن نصحو وأحبابنا غائبون، وأن نفيق على نهاية علاقة قد تكون بسبب طوعي من اختيارهم أو بسبب قهري يتمثل بملك الموت. ليس أدل على حب أب لابنته إلا عندما دخلت السيدة فاطمة رضي الله عنها على أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على فراش الموت فأسرها بأذنها فانفجعت باكية، ثم أسرها في أذنها مرة أخرى فضحكت، فالأولى أخبرها أنه ميت اليوم، والثانية أخبرها بأنها أول اللاحقين به إلى ربها، ماذا يمكن أن نطلق على هذه الرفقة النادرة؟. انتشرت قصة حقيقية لصديقين من الجزيرة العربية تلازما في الحياة منذ كانا على كراسي الدراسة صغاراً مروراً بالدراسة الجامعية حتى عملا بنفس الشركة وتزوجا اختين وسكنا متجاورين، وعندما مات أحدهما مرض الرجل من ليلته ومات ليرقد جوار قبر أخيه صباح الغد. همسة: ترى العتب يا صاحبي من محبة.. كم لك علينا تبتعد ونتقرب دمتم بود. [email protected]