13 سبتمبر 2025
تسجيلبعد الانتهاكات الإسرائيلية في القدس والضفة الغربية التي رتبت من قبل الكيان الإسرائيلي لتنفيذ مراميه في مدينة القدس لتهويدها، إلى جانب قتل الأطفال والنساء لمجرد الشبهة وغيرها من الممارسات التي تجاوزت كل الحدود والأعراف القانونية منذ الأسابيع الماضية، في ظل الظروف الحالية من عدم الالتزام بالاتفاقات مع السلطة الفلسطينية التي لم تلامس الواقع الحقيقي، وهو الحل العادل الذي يحقق للشعب الفلسطيني طموحه في استعادة حقه السليب وعلى رأسها القدس الشريف، وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة والتي تراوغ إسرائيل عن الوفاء بالتزاماتها بالانسحاب منها ضمن ما يسمى بالعملية السلمية، والتهويد والإصرار على إقامة المستوطنات الصهيونية منذ ما يقرب من أربعة عقود.. فهل انتفاضة ثالثة يكون لها الفضل في إنجاز الاستقلال الكامل؟فما هي خلفيات هذه الانتفاضة؟ وكيف تحركت الانتفاضة الأولى التي أجهضتها اتفاقات أوسلو؟ وهل ستلحق انتفاضة أخرى جديدة بنفس الظروف وأسباب الانتفاضة الأولى؟بدأت الشرارة الأولى من مخيم جباليا وبالتحديد في 8 ديسمبر 1987 عندما كان عدد من العمال الفلسطينيين عائدين من عملهم في إسرائيل، ويترجلون من السيارة التي تنقلهم أمام حاجز للتفتيش، فإذا بشاحنة عسكرية تدهسهم ولاذ سائقها بالفرار.. وأسفر هذا الحادث عن سقوط 4 قتلى وسبعة جرحى كلهم مخيم جباليا.وصلت هذه الأنباء إلى المخيم فاشتعل الغضب العارم، وعندما شيعت الأرض المحتلة الشهداء الأربعة تحولت إلى مظاهرات عنيفة شملت كل مخيمات قطاع غزة. وأقام الشباب الحواجز والمتاريس وقذفوا قوات الاحتلال بالحجارة.وكان الظن أن الشرارة التي انطلقت من مخيم جباليا بعد عام آخر ستكون انتفاضة كسابقها لن تتعدى عمرها أيام وتخمد بعد تفريغ شحنة الغضب سواءً من تلقاء نفسها أو بضربة قمع شديدة، مثلما فعل شارون وما تلاه من الإرهابيين الصهاينة، ولكن المظاهرات والاشتباكات مع قوات الاحتلال تجدها لليوم الثالث والرابع وشهر وشهرين وعام... إلخ.. وعمت أنحاء الضفةوالقطاع في قراها ومدنها في أكبر تحد لسلطات الاحتلال وإجراءاتها التعسفية والقمعية. في غزة التي تمنى إسحاق رابين يوماً أن يقوم من نومه ويرى غزة قد غرقت في البحر! تحول الصدام بين جماهير الشعب الفلسطيني وقوات الاحتلال إلى معركة حقيقية حيث أغلقت المدينة تماماً وسدت الطرق وامتلأت الشوارع بالحطام وحرائق الإطارات وانتشار الدخان الأسود. قوة انتفاضة الحجارة ويقول البروفيسور "دون بيريز" أستاذ العلوم السياسية بجامعة ولاية نيويورك ومدير برنامج الشرق الأوسط بالجامعة نفسها، إن القليل من السياسيين الإسرائيليين والقادة العسكريين هم الذين توقعوا أن المظاهرات التي اندلعت ضد الاحتلال الإسرائيلي في 8 ، 9 ديسمبر هي شيء مختلف عن تلك التي حدثت في العشرين سنة الماضية. تصورت السلطات الإسرائيلية أن ما حدث في الضفة الغربية وغزة يمكن إخماده في أسابيع قليلة. ولما تخطت الانتفاضة التي قدرت لها بعد التنكيل والقتل والتكسير ومختلف الأساليب القمعية في التاريخ الإنساني أدرك "إسحاق رابين (آنذاك)" وقادة جيشه أن الأسباب الحقيقية وراءها لا تعالج إلا بحل سياسي وليس باستخدام القوة العسكرية. ووصل الأمر إلى أن تبنى بعض ضباط الميدان وأعضاء هيئة الأركان نفس المصطلح العربي "الانتفاضة" الذي يستخدمه الفلسطينيون لوصف مجريات الأمور.قبل الانتفاضة بحوالي شهر تنبأ مسؤول رسمي في الأمم المتحدة بحدوثها، وأدرك أن الانتفاضة أمر حتمي بعد عشرين عاماً من الاحتلال والإحباط وخيبة الأمل، وكانت الاحباطات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في حاجة فقط إلى شرارة ليحدث الانفجار الكبير لهذا الشعب الذي لاقى من المعاناة والقهر لم يلقه شعب آخر في العصر الحديث.وقد سجلت في تلك الفترة وثيقة قدمت للأمم المتحدة عن الأوضاع التي يعيشها الأطفال الفلسطينيون، فذكرت أن هناك جيلاً ينمو في ظل أحوال معيشية واجتماعية وتعليمية قاسية، ولا شك أنها أحوال صعبة، ورغم أنه يمكن القول بأن المجتمع الدولي قد ركز اهتمامه لفترة تزيد على ثلاثين عاماً على هؤلاء الفلسطينيين بصفة لاجئين، وقد حاولت العديد من المنظمات الدولية تأمين المستوى الأساسي للحياة على الأقل، إلا أن أوضاعهم بقيت متردية وصعبة والاضطرابات السياسية التي شهدتها المنطقة تشكل عنصراً جديداً لم تعايشه غالبية أطفال العالم". ورغم أن هذه الاضطرابات تترك بصماتها على جميع أطفال العالم إلا أن أطفال الضفة والقطاع ينؤون بعبء إضافي يتمثل في العيش في ظل احتلال قاس، وعنيف منذ يونيو 1967م.وفي ظل هذا المناخ انطلقت شرارة الانتفاضة وسجلت انتصاراً نفسياً ومعنوياً على الاحتلال من خلال صمودها الطويل لتخلق واقعاً جديداً لابد من إعادة النظر إليه بصورة مختلفة. ويعتقد البعض من المحللين والخبراء الإستراتيجيين أن عملية التسوية التي بدأت بمؤتمر مدريد أكتوبر 1991م كانت اتجاهاً تكتيكياً من إسرائيل لوضع حل لمشكلة الانتفاضة التي أقلقت إسرائيل وشكلت عبئاً أمنياً عليها طوال فترة الانتفاضة ونعتقد أن انتفاضة الأقصى ستكون النهاية للاحتلال.ففي تاريخ فلسطين هناك انتفاضات كثيرة مثل انتفاضة "البراق" عام 1929 وانتفاضة عام 1936، وكان هدفها التذكير بهذا الحق المسلوب.. لكن انتفاضة الشعب الأولى بعد احتلال الضفة والقطاع تعد أروع الانتفاضات في تاريخ نضال الشعب الفلسطيني المكافح.إن انتفاضة جديدة لو تحققت وسارت وفق الظروف والإمكانيات والتحديات، فإنها لن تتوقف دون أن تحقق أهدافها المبتغاة، مثل ما حدث للانتفاضة الأولى.. فهل يتحقق هذا الهدف على الرغم من القسوة الصهيونية في قمع هذه الانتفاضة وتصفية قادتها؟