30 أكتوبر 2025
تسجيلالود وصنع المعروف وعمل الخير جبلة في المسلم حثه عليها دينه وفطرته السليمة السوية، كذلك توجيهات نبينا محمد -عليه أفضل الصلاة والسلام- والتي تدحض المقولة الشائعة التي تقول "اتق شر من أحسنت إليه" والتي أظنها من دسائس الأقوال والله أعلم. وهنا أذكر حديثا يرويه علي بن الحسين على أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: قال رسول الله -صلى الله عليه و سلم - "اصنع المعروف في أهله وفي غير أهله فإن أصبت أهله فهو أهله وإن لم تصب أهله فأنت من أهله"، وهذه الحكاية التي قرأتها مؤخرا لعل فيها من العظة والعبرة والتطبيق العملي على صنع المعروف، حيث يذكر أحد الرجال الثقات أن أحدهم كان مسافراً بأسرته في صحراء مترامية الأطراف داخل المملكة العربية السعودية، وإذا بعطل مفاجئ يحدث في سيارته، وقد حاول تشغيلها لكن دون جدوى، وجلس الرجل حائراً في أمره، ولم يمض وقت طويل حتى أوقف أحدهم سيارته، وترجل منها قائلاً: خير ما الذي حدث؟ وحاول معه مرة أخرى في تشغيل السيارة. ثم قال للرجل: هذه سيارتي أكمل سفرك فيها مع أسرتك، وأنا أجلس هنا عند سيارتك حتى ترسل لي شاحنة من بلدك نحمل عليها سيارتك. قال صاحبنا: هذا غير معقول، لأنه يعني أنك ستجلس هنا قرابة عشر ساعات، قال الرجل: لا بأس أنا شخص، وأنتم عائلة!. وأخذ صاحبنا سيارة الرجل الشهم ورقم هاتف منزله ومضى، وفي صباح اليوم التالي وضع سيارته في ورشة الإصلاح، وأعاد السيارة الأخرى إلى صاحبها. ومرت الأيام وتذكر صاحب السيارة المعطوبة المعروف الذي صنعه معه صاحبه، فاتصل على بيته ليسأل عنه، فقالت زوجته: هو في السجن، وذكرت له اسم السجن، وفهم منها أنه سُجن بسبب الديون التي عليه.وفي اليوم التالي أخذ الرجل معه مائة ألف ريال، وذهب إلى السجن وأعطاها ضابط السجن، وقال: هذه لقضاء ديون فلان وإخراجه من عندكم. قال الضابط: من أنت؟ قال له: لا داعي لأن أذكر لك اسمي ومضى، بعد عشرين يوماً اتصل ببيت صاحبه ليطمئن عنه، فقالت له زوجته: مازال في السجن، فما كان منه إلا أن سارع إلى السجن، وسأل الضابط عن سبب عدم إطلاق سراح صاحبه، فقال: الدين الذي عليه ثلاثة ملايين وليس مائة ألف، ثم أردف قائلاً: أنا حائر في أمري ممن أتعجب، هل أتعجب منك حين جئت بمائة ألف ريال دون أن تذكر اسمك ؟ أو أتعجب من صاحبك السجين حين قال لي: المائة ألف لن تصنع لي شيئاً، فأرجو أن تطلق بها سراح بعض زملائي المسجونين ممن عليهم خمسة آلاف وعشرة آلاف، وقد أطلقت بها فعلاً اثني عشر مسجوناً .قال صاحبنا: خير إن شاء الله وغاب قرابة شهر ثم عاد وقد جمع الملايين الثلاثة من مدخراته ومن بعض المحسنين، وأطلق بها سراح صاحب المروءة. ويكمل الراوي، إن هذه القصة واحدة من قصص كثيرة يتحدث عنها الناس، من مكان إلى مكان وربما يختلف البلد الذي تروى فيه ولكنها دليل على أن البذل في سبيل الله، وعون الآخرين لا يذهب هباءً، بل إن جزاءه كثيراً ما يكون سريعاً جداً وبأضعاف مضاعفة، ولا غرابة في هذا، فالمتصدق يتعامل مع من اتصف بالرحمة والكرم والغنى، وهو ـ جل وعلا ـ تعهد في كتابه وعلى لسان نبيه بأن يخلف على الباذلين من أجله .فيأيها القراء الأعزاء ابذلوا الخير كبيراً كان أو صغيراً ولا تستهينوا به، واصنعوا المعروف وافشوا المحبة وكونوا كرماء يكن ذلكم رصيدا لكم عند ربكم، فلا أحد يعلم كيف سيرد ملك الملكوت الخبير العليم ذي النعم -سبحانه وتعالى- ما تصنعون، إنه نعم المولى ونعم النصير. وسلامتكم