15 سبتمبر 2025
تسجيللاشك أن صفة "مثقف" باتت اليوم من أكثر الصفات تداولاً وانتشاراً بين الناس، فلا يكاد يمر يوم دون أن يستخدم أحدنا كلمة "مثقف"، بالرغم من أننا كثيراً ما نخلط بين المتعلم وبين المثقف.فماهية (الثقافة) كانت ولا تزال تثير جدلاّ وإشكالاً لدى الباحثين والمفكرين، كما لدى عدد من الاتجاهات الفكرية، وقد تكون تلك الإشكالية وراء صعوبة تحديد ذلك المصطلح ووراء صعوبة الاتفاق بشأنه.وقد أشتق مصطلح (ثقافة (Culture من الكلمة اللاتينية CULTER) التي تعني حراثة الأرض والتربة، وعلاقة الحراثة والأرض بالثقافة يوضحها (إدوارد برنت تايلور) الأب الروحي لعلم الإنسان (الأنثروبولوجي) وعرّاب مدرسة الفولكلوريين الإنثربولوجيين،عندما أعاد الثقافة إلى الفأس والقوس والرمح وإشعال النار وصناعة الحراب وما إلى ذلك، ويضيف تايلور: إنها ذلك الكل المركّب الذي يشتمل على المعرفة والأخلاق والفن والقانون والعادات وغيرها من القدرات التي اكتسبها الإنسان بوصفه عضوا في المجتمع.وقد أيّده في نظريته هذه عدد من علماء الإنثربولوجيا وعلى رأسهم(جيرارد أودونيل) الذي ذهب إلى الثقافة هي نمط الحياة أو إسلوبها الذي تؤسسه أية جماعة بشرية، وغالباً ما يكون هذا النمط مقبولاً بصورة عامة بين الأفراد، كآداب السلوك والمعتقدات والأزياء وما إلى ذلك مما يشكل هوية هؤلاء.لكن (ل.هوايت) نبّه إلى الثقافة بشكل عام تعني السلوك الإنساني، وذلك من خلال نظريته الرمزية، فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي إبتكر جهازاً رمزياً جعله لا يكتفي بما يأخذه من الطبيعة الخام وإنما يعيد تمرير ذلك الخام على جهازه الرمزي.ونظراً لتعدد التعريفات المعنية بالثقافة والتي يقول إدوارد برنت تايلور أنها تجاوزت المائتي تعريف، جاء (إعلان مكسيكو) ليؤطر تلك التعريفات ويحددها، فالثقافة بمعناها الواسع هي كل السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز كل مجتمع عن الآخر، أو فئة اجتماعية عن الأخرى، وهي تشمل أيضاً الفنون والآداب وطرق وأسلوب الحياة، كما تشمل الحقوق الأساسية للإنسان ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات.وإذا بحثنا عن معنى هذه الكلمة في المعاجم اللغوية العربية نجد أنها تجمع على أن مصدر كلمة (مثقف) من الفعل الثلاثي ثقف، فثقف الشيء ثقافة أي حذق به فأصبح ماهراً، وتثقيف الرماح بمعنى إقامتها وصقلها، وكل مثقف معتدل، وروى الأزهري عن الليث بن المظفر فقال، المعتدلة من النوق الحسنة المثقفة الأعضاء بعضها ببعض، وقيل ثقّفت القناة إذا أقمت عوجاً فيها، بينما يحدد العلاّمة (عبد الرحمن ابن خلدون) الثقافة بأنها (الدراية الجيدة بكل ما يتعلق بمجال من المجالات فكراً وممارسة).ومما سبق نستخلص أن الثقافة مفهوم واسع يمكن اختصاره على هذا النحو: هي كل السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميّز كل مجتمع على حدة، أو كل جماعة بعينها، وهي تشمل بشكل عام الفنون والآداب وطرق وأسلوب الحياة.وبحسب إعلان مكسيكو، إن الثقافة هي التي تمنح الإنسان قدرته على التفكير في ذاته، وهي التي تجعل منه كائن يتميز بالإنسانية التي تؤكد ذاتها في العقل والالتزام الأخلاقي، فعن طريقها نهتدي للقيم العليا، ومن خلالها نمارس اختياراتنا، فهي المرآة الوحيدة التي تكشف الإنسان أمام ذاته.بمعنى أن الإنسان هو الكائن الوحيد على الأرض القادر على صنع ثقافته، والحفاظ عليها، وهذا ما يجعل الثقافة أحد أهم الملامح الإنسانية.إذا كان تعريف الثقافة على هذا النحو، فمن هو المثقف إذاً، ومتى يستحق إطلاق تلك الصفة عليه؟من المؤكد أن تحديد صفة "مثقف" تلاقي نفس الصعوبة، لذا يؤكد البعض من الباحثين أن المثقف هو الذي يمكنه تغيير المجتمع بفكره، أو الذي يمكنه العمل لصالح عدد من القطاعات المتعددة في المجتمع، أو المتميز بموهبة النقد العلمي والاجتماعي بغرض التقويم والإصلاح.