30 أكتوبر 2025

تسجيل

الرحلة المباركة

18 سبتمبر 2014

إن الحق تبارك وتعالى فرض علينا العبادات ليطهرنا بها ويزكينا فيكون ذلك سبب لسعادة البشر في الدارين، لذا أراد من عباده أن يوجهوا أنظارهم إلى ما هو أهم وأبقى وأنفع وأجدى إلى الادخار الحقيقي الذي يجعل من الدنيا مزرعة للآخرة من خلال مقاييس الربح والخسارة، فإذا كان المقصود الأعظم هو تحقيق التقوى فإن الوصول إلى هذه الغاية السامية له طرق عديدة، وإننا نريد هنا تذكير حجاج بيت الله الحرام بألوان من العبادات التي يمكن أن يمارسوها أثناء تأديتهم لمناسك الحج، فالأمة الإسلامية في هذه الأيام المباركة تقف على أعتاب فريضة الحج العظمى ففي هذه الأوقات الفاضلة الشريفة المحرمة يقف المسلم يطرق أبواب الرحمات ويغتنم الأيام في التوبة وغفران الذنوب مما يوجب على كل مسلم وفق لهذه الرحلة المباركة أن يعد عدته ويستجمع قواه ويشد العزائم في رحاب البيت والروضة يتقرب بشتى أنواع الطاعة طواف وزيارة استغفار وتوبة، ومن زاد التقوى ولا شك الامتناع عما حرمه الله من الرفث والفسوق والجدال في الحج لأن الكف عن المحارم صدقة للعبد على نفسه، وتخليص للحج عن شوائبه ثم إنه يحقق معنى التقوى والذي يشمل الاتقاء عن المحارم بكل الوسائل، فإن إقدام المرء على أي أمر من الأمور لا بد له من التهيأ والاستعداد بأن تتحقق النية الخالصة لله سبحانه وتعالى، فما الذي حركك لتنفق الأموال ولتقطع المسافات ولتتحمل المشاق إنك إن فعلت ذلك كله من غير أن يكون في سويداء قلبك التعلق بالله وابتغاء مرضاته وطمعا في رحمته، فاعلم أنك ما صنعت شيئاً غير أنك أرهقت نفسك وأذهبت مالك ثم فقدت أجرك بل ربما رجعت مأزور غير مأجور.فالمسلم الحق الصادق مع نفسه والمخلص لربه ليشعر أن عبادته تبقى ناقصة إذا هو لم يبذل جهده لتحقيق الهدف الكبير الذي خلق الله الجن والإنس من اجله، ألا وهو إعلاء كلمة الله في الأرض الذي به وحده تتحقق عبادة البشر لله وبه وحده يتحقق معنى لا إله إلا الله محمد رسول الله في واقع الحياة ولتصحيح اتجاهات القلب وضمان تجرده من الأهواء الصغيرة والحرص على ابتغاء الأجر من الله تعالى وأن يقبل الله تعالى عمله ويجازيه به يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فالمسلم يعتقد اعتقادا جازما أنه ما وجد في هذه الحياة إلا لعبادة ربه يقول الله تعالى:(وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب) البقرة:197،لذا يجب على كل مسلم أن يعلم أن العبادة في الإسلام حقيقة لا مظهرية ولذلك ينبغي أن يكثر في موسم الطاعات وفي موسم تكفير السيئات من الاستغلال والاغتنام الكامل للأوقات وهذا يحصل به الشمول في العبادة فعندما تكون في تلك الأماكن المقدسة وفي هذه الأيام المعظمة والفريضة القائمة ينبغي لك أن تجعل كل لحظة من اللحظات عبادة وطاعةَ لله عز وجل وأن ينشغل اللسان بالذكر والاستغفار وتلاوة القرآن وأن ينشغل القلب بمزيد من الخشية لله عز وجل واستحضار هول المحشر وجمع الناس يوم يقوم الناس لرب العالمين، فينبغي أن لا تضيع وقتا إلا وفيه طاعة لله عز وجل إن من رضى عنه ربه ووفق لأن يتقدم بخطى التقى والتوبة ليذهب إلى بيت الله الحرام يطوف ويسعى ويقف بعرفات تذرف عينيه دمع الرجوع إلى الله والشوق إلى روضة الحبيب صلى الله عليه وسلم، فيذهب ليشتري ملابس الإحرام ويستعد لهذه الرحلة المباركة ففي هذه الأيام المباركة وحجاج بيت الله الحرام على أعتاب فريضة الحج العظمى يستقبلون موسم التوبة وغفران الذنوب، فإن العبد المسلم الذي يحس بلذة العبودية لله لا يذوق طعم لحياة إلا بالعبادة الحقيقية لله تعالى، فلا معنى لوجوده بدونها ولا اطمئنان إلى رضوان الله إلا بالعمل المتواصل الدؤوب القائم على الإخلاص لله تعالى بنية صادقة وبعزيمة قوية يبتغى رضا الله تعالى ويخشى عذابه، فليخلص المؤمن لربه وليبتغي بعبادته وجه الله تعالى، فأعظم صور الإخلاص لله تعالى هو الإخلاص في الإيمان بوحدانيته وأنه لا إله إلا هو قناعة ويقينا إخلاصا يسبق كل عبادة وتشعر في نفسك بصدق وانفعال أنك تصلي لله تسجد له وحده سجود الموقن بتفرده، تدعوه دعاء المؤمن الذي يغمره شعور وفكر قويان بأنه يدعو الله السميع القريب المجيب، فإن صلاح النية وإخلاص القلب لرب السموات والأرض يرتفعان بمنزلة العمل الدنيوي البحت فيجعلانه عبادة متقبلة وإن خبث الطوية وفساد النية يهبط بالطاعات المحضة فيقلبها معاصي شائنة فلا ينال المرء منها بعد التعب في أدائها إلا الفشل والخسارة بل إن الملذات التي تشتهيها النفس إذا صاحبتها النية الصالحة والهدف النبيل تحولت إلى قربات وطاعات.