18 سبتمبر 2025
تسجيليكاد المواطن العربي لا يصدق من هول الصدمة و غرابة الخبر بالرغم من أننا تعودنا على الفواجع العربية و شهدنا في ظرف جيل واحد ما يشيب لهوله الولدان و ما تزلزل به الأوطان. الشاعر الفلسطيني المولود في السعودية سنة 1980 و الذي مثل المملكة في معارض عالمية و تكلم باسم الثقافة السعودية و تحدث سنة 2013 في برنامج (صباح الثقافة) على القناة الرسمية السعودية و المفروض و المنطقي أن يحظى بالتكريم من المجتمع السعودي و مثقفيه هو اليوم في الزنزانة محكوم عليه ....ب 800 جلدة و 8 سنوات سجن بعد أن كان محكوما بالإعدام... أي و رب الكعبة بالإعدام ...و بعد تدخل منظمة (هيومن رايت ووتش) عوضت المحكمة الإعدام بالجلد و السجن و منذ أسبوع سمعت على قناة (بي بي سي) شقيقة أشرف تتحدث عن معاناته و مرضه و إصراره على الحياة و الحرية و سمعت منها عن توسلات السيدة والدته إلى خادم الحرمين و ولي عهده سمعت عن وفاة والده بجلطة يوم الحكم بإعدام فلذة كبده. فالشاعر أشرف فياض من أسرة أدبية كنت تعرفت على عمه توفيق فياض الشاعر الفلسطيني أيضا و أشرف حسبما درسنا في كليات الحقوق لم يرتكب جناية في حق البلاد التي آوته و لا حتى جنحة في حق المجتمع الذي ولد و نشأ فيه بعيدا عن أرضه الطبيعية فلسطين التي باعوها في المزاد وهو يحب المملكة و لم يعرف سواها وهو شاب بعد لم يبلغ الأربعين كرس فنه و إبداعاته التشكيلية للتعبير عن وجدان سليم و فكر متحرر لكن بدون إساءة لا للدين و لا للقيم الإسلامية و لا للمملكة فكيف يا ترى تغفل العقول السعودية و تترك أمر إدارة العقول للجهلة و الضالين والمدعين حماية المعبد ! إن العالم تقدم أشواطا عملاقة و سريعة في مجال الحريات و لم يعد ممكنا استبلاه الناس بمصادرة العقول و محاصرة الفن و سجن الحرية في أقفاص الماضي و الادعاء بأن كل جديد بدعة و كل بدعة حرام ! و أشرف الذي يوثقه جلادوه ليضربوه بالسياط لا يعيش في عصر الطاغوت و المظالم بل يعيش في عالم معولم لم يعد يخفى فيه سر أو يحجب فيه ظلم أو يقبل الناس فيه أن تداس إنسانيتهم من خلال جلد شاعر من أجل شعره لمجرد التأويل و لم يعد المواطن لا العربي و لا الأعجمي يفهم أو يبرر تهما جاهزة مثل الردة و التجديف . و في الحقيقة تخضع هذه الصفات إلى عصورها التي نشأت فيها حين كان ولاة الأمر يضطلعون برسالة حماية الدين من أعدائه أما اليوم لم يعد لها أي معنى بعد إعدام المفكر السوداني محمود محمد طه سنة 1985 حين انتفضنا و نددنا بالجريمة مما أطاح بالدجال جعفر النميري حاكم السودان بالأوهام و استحضار نصوص دينية منتزعة من سياقها التاريخي! و للتذكير ما أشبه قضية أشرف فياض بقضية محمود محمد طه وهو مفكر ومؤلف وسياسي أسس الحزب الجمهوري السوداني عام 1945 كحزب سياسي يدعو لاستقلال السودان والنظام الجمهوري وبعد اعتكاف طويل خرج منه في أكتوبر 1951 أعلن مجموعة من الأفكار الدينية والسياسية سمى مجموعها بالفكرة الجمهورية. هاجم الكثير من العلماء مختلفي المذاهب الفكرة الجمهورية وعارضوها ورماه بعضهم بالردة عن الإسلام وحوكم بها مرتين أعدم في أخراهما في يناير 1985.عُرف بين أتباعه ومحبيه بلقب (الأستاذ) . مازال الحزب الجمهوري ينشر فكره وما زال معارضوه ينشرون الكتب والفتاوى المضادة. و قبل هذه المظلمة عاش جيلي محاكمة المفكر و الكاتب الإسلامي سيد قطب في مصر الناصرية و أعدم رحمة الله عليه في 31 أغسطس 1966 و نذكر جميعا أن المملكة العربية السعودية قادت بعلمائها و حكامها حملات تنديد بإعدام هذا القيادي البارز لجماعة الإخوان المسلمين ثم وفرت لشقيقه الشيخ الأستاذ محمد قطب الحماية و عاش فيها مدرسا في جامعاتها و محاضرا في منابرها إلى أن توفاه الله منذ سنتين في مكة المكرمة و دفن فيها وهو نفس ما فعلته السعودية مع زعيم الإخوان العراقيين الشيخ محمود الصواف رحمه الله ! لم نعد نفهم ما يجري في بعض مفاصل السلطة السعودية ويتأكد لنا بعد حصار قطر ثم اليوم نصب العداء لكندا بما يشبه الحصار ثم التوغل في حرب اليمن أن الانقلابات الكبرى في النهج الإسلامي السعودي أصبحت طلسما من طلاسم العصر و لله الأمر من قبل و من بعد !