15 سبتمبر 2025

تسجيل

حديث الإفك والمؤامرة

18 أغسطس 2014

مقهورا أصبحت، من فرط ما استمعت إليه من دفوع الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، ومن قبله المحامي الذي يتولى الدفاع عنه فيما يسمى بقضية القرن في المحروسة، ثم مرافعة وزير داخلية نظام مبارك حبيب العادلي، وبعض القيادات الأمنية المتهمة في القضية، والتي روجت لمقولة إن ثورة الخامس والعشرين من العام 2011 محض مؤامرة خارجية وأنها حصيلة تحرك نفر من العيال على حد تعبير العادلي قاصدا الشباب الذي خطط ونفذ وأشعل الثورة.وثمة ملاحظات ضرورية لدي في هذا السياق أوردها فيما يلي:أولا: لقد حظيت هذه الدفوع بأكبر قدر من التغطية الإعلامية الواسعة سواء عبر التليفزيون، والتي أنيط حق بثها مباشرة على الهواء لمحطة "صدى البلد"، والتابعة لواحد من عتاة رجال الأعمال الذين كانوا - وما زلوا – ضمن دائرة الحزب الوطني الحاكم في زمن مبارك. وليس لدي معرفة بالملابسات التي دفعت هيئة المحكمة الموقرة للموافقة على هذا السلوك، بينما كان من الأجدر أن يناط بهذا الحق للتلفزيون الرسمي التابع للدولة المصرية ثم - وهذا الأمر كان لافتا للغاية – تابعت الصحف سواء قومية أو خاصة بتخصيص مساحات واسعة من صفحاتها الأولى والداخلية لهذه الدفوع على نحو بدا لافتا وباعثا على الغيظ. وقد يدفع البعض بأن هذا من أولى مستوجبات المتابعة الإعلامية التي تبدي اهتماما بالحدث الأبرز والأكثر تأثيرا على جمهور المتلقين، وهو ما لا يشكل لدي أدنى اعتراض، بيد أن اعتراضي على المبالغة في متابعة الحدث على نحو أفضى إلى بلورة قناعة لدي أن ثمة دوائر تسعى إلى تسويق براءة مبارك وأركان نظامه من دم شهداء الثوار، وتشويه صورة ثورة يناير وتصنيفها بحسبانها محاولة همجية لإسقاط نظام مبارك الذي كان بطبيعته آيلا للسقوط. ثانيا: من حق المتهمين وهيئة الدفاع عنهم أن يلجأوا إلى كل الوسائل التي تهدف إلى الحصول على البراءة، خاصة أن التهم الموجهة لهم قد تدفع بهم إلى الإعدام أو السجن المؤبد، غير أن قلب الحقائق والقفز عليها وتقديم معطيات غير واقعية، وفي بعض الأحيان تتعارض مع وقائع ثورة الخامس والعشرين من يناير التي شاركت فيها الملايين من أبناء الشعب المصري في مختلف محافظات مصر، ولم تقتصر فقط على هؤلاء النفر من الشباب الذين وجهت لهم كل ألوان الاتهامات بتلقي الأموال الطائلة والتدريب على إسقاط النظام وكأنه كان قويا، بينما هو في حقيقته كان متهالكا، ولم يكن في حاجة مؤامرات خارجية أو داخلية، بل كان في حاجة إلى إرادة شعبية قوية تندفع في موجات هادرة، وهو ما حدث بالفعل منذ الخامس والعشرين من يناير وحتى الحادي عشر من فبراير2011، وبالتالي فإن ما جرى يجعل من اتهام هؤلاء النفر متهافتا ليس بوسعه أن ينقذ مبارك أو وزير داخليته أو قياداته الأمنية من عقاب يستحقه عن القتل المفرط في القوة الذي مارسته قوات الأمن في ذلك الوقت، والتي كانت محكومة بعقيدة تقوم فقط على حماية رموز النظام وليس حماية الشعب.على عكس ما ادعاه حبيب العادلي في دفاعه من أن القوات خرجت لحماية المتظاهرين في حين أن مهمتها الرئيسية - وهو ما لمسته بنفسي خلال متابعتي لأحداث ميدان الجيزة القريب من منزلي في الثامن والعشرين من يناير 2011 - محددة بمطاردة المشاركين في التظاهرات العارمة وتوجيه أسلحتها باتجاههم لوقف تمددهم وإلا أجبني عن سؤال: من قتل ما يقرب من ألف شهيد في تظاهرات ثورة يناير؟.ثالثا: شخصيا أقف في الخانة المناهضة لجماعة الإخوان المسلمون، وكنت وما زلت متحمسا لثورة الثلاثين من يونيو 2013، والتي نظرت إليها بحسبانها تصحيحا لمسار ثورة الخامس والعشرين من يناير، ومع ذلك فإنني ضد كل ما تردد في الدفوع من محاولة إلقاء تبعة أحداث يناير على هذه الجماعة وعناصرها وقياداتها مما ينفي عنها صفة الشعبية، وكأنها كانت حصيلة تحركهم فقط. في حين أن الحقائق التي باتت معروفة أن الجماعة لم تشارك في الثورة إلا في يوم الثامن والعشرين من يناير فيما يسمى بجمعة الغضب بعد تردد من قياداتها واتخاذ شبابها قرار المشاركة بمنأى عن هذه القيادات. التي انتظمت فيما بعد في الثورة وفعالياتها مثلهم مثل الفصائل والقوى السياسية الأخرى. فضلا عن ذلك فإن محاولة الزج بأطراف إقليمية في تحريك وقائع الثورة ينطوي على إهانة للشعب المصري، الذي خرج بعفوية للمساهمة في هذه الثورة التي فجرها شباب المحروسة مستفيدين من وقائع ثورة تونس التي سبقت ثورتهم بأيام.إن الشعب المصري بطبيعته ثائر، وكانت ثمة مقدمات لثورة يناير منذ العام 2006 وربما قبل ذلك ولكن مع ظهور الجماعات الاحتجاجية. متمثلة في حركة كفاية ثم حركة السادس من أبريل وغيرها من التجمعات في شرائح مختلفة من المجتمع المصري، بدا واضحا أن النظام في طريقه للتهاوي خاصة أنه بدأ يلجأ إلى القبضة الأمنية المفرطة في معدل قوتها دونما رحمة مع تجاوزات وانتهاكات لحقوق الإنسان ضد كل مناوئي النظام على نحو جعل من المحروسة بؤرة رعب للمعارضين، وبالتالي فإن الشعب بكل فئاته بات مهيأ للمشاركة في أي تحرك كبير لإسقاط النظام وهو ما تجلى أحداث ثورة يناير 2011.رابعا: قد تكون هناك اختراقات من قبل دوائر خارجية لتلك المجموعة المحدودة من الشباب أو تلك. فذلك وارد بالطبع، ولكنها لم تكن موجهة لنظام مبارك. فبطبيعته كان مواليا للغرب، بالذات الولايات المتحدة التي كانت تنظر إليه باعتباره حليفها المهم في منطقة الشرق الأوسط، وفي الوقت نفسه كان الكيان الصهيوني يعتبره كنزا استراتيجيا له، وهو ما تجسد في مواقف واشنطن التي اتسمت بالكثير من التردد تجاه وقائع ثورة يناير، ولم تتخذ موقفا قاطعا إلا بعد رأت بأم عين إدارة الرئيس باراك أوباما من خلال التقارير التي كانت تتدفق ساعة بساعة من السفارة الأمريكية بالقاهرة أن ثمة إصرارا شعبيا غير مسبوق على ضرورة إسقاط النظام، وألفت في هذا السياق إلى أن واشنطن لم تبد اعتراضا على مشروع توريث نجل مبارك جمال للسلطة، بل استقبلته غير مرة للتعرف عليه وإحاطته علما بمتطلباتها في مرحلة ما بعد مبارك وهو ما ينفي تماما رواية المؤامرة الأمريكية على نظام مبارك، ولو أرادت إسقاطه لفعلت دون ضجيج وعبر رجالها الكثر داخل النظام. ولكنه كان يحقق أهداف الولايات المتحدة في المنطقة وحافظ على مصالحها خاصة فيما يتعلق بالمحافظة على أمن إسرائيل والانخراط دوما في كل مشروعاتها وحروبها في المنطقة، وفي مقدمتها حرب الخليج الثانية في العام 1991 ثم غزو العراق في العام 2003 خامسا: إن محاولة تجميل نظام مبارك عبر هذا التكثيف الإعلامي لبث ونشر دفوعات رأسه ووزير داخليته ومحامي الدفاع لن تجدي نفعا في ظل واقع ما زالت المحروسة تكابد تداعياته.. ولكن المخيف أن ثمة مقدمات تزامنت مع هذا السلوك الذي ليس من حقي توصيفه لأنه اتخذ بقرار من رئيس المحكمة التي تجرى بها محاكمة القرن منها الإفراج عن واحد من أهم رموز النظام رجل الأعمال أحمد عز قبل أيام بعد أن دفع كفالة قيمتها مائة مليون جنيه. فضلا عن تصدر رموز سياسية وإعلامية أخرى المشهد في المحروسة وحديثهم بنوع من الشعور بسطوة الانتصار. وهو ما باتت هواجس تنتشر في أرجائها بإمكانية إعادة إنتاج نظام مبارك خاصة مع القدرات المالية التي يمتلكها رجال أعماله وسياسيوه السابقون، مما يهيئ لهم فرصة الصعود إلى البرلمان المقبل بقوة. الأمر الذي يستوجب من القوى الثورية والسياسية أن تتحسب له وتعمل على بناء تحالفاتها القوية. فضلا عن الانتشار في المدن والقرى ومقاربة أحلام ومشكلات أبناء الشعب بدلا من تركهم عرضة لرشاوى بقايا نظام مبارك وهدايا جماعة الإخوان.