15 سبتمبر 2025

تسجيل

باكستان بين أمريكا المتخلية والصين المتلهفة

18 أغسطس 2011

طلبت السلطات الباكستانية رسمياً من الولايات المتحدة، إخلاء قاعدة عسكرية يستخدمها الجيش الأمريكي كقاعدة لانطلاق طائرات بدون طيار، لشن غارات تستهدف مسلحي حركة طالبان وتنظيم القاعدة، في المناطق الحدودية مع أفغانستان. وقال وزير الدفاع الباكستاني أحمد مختار إن الثقة بين إسلام أباد وواشنطن قد تضاءلت كثيراً في أعقاب العملية التي شنتها وحدة أمريكية خاصة في الثاني من مايو الماضي، لقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، في مقر إقامته بمنطقة "أبوت أباد"، بالقرب من العاصمة الباكستانية. وكانت السلطات الباكستانية قد طلبت بشكل غير علني إخلاء هذه القاعدة التي يطلق عليها قاعدة "شامسي" الجوية، بإقليم "بلوشستان" في أواخر شهر إبريل الماضي بعد غارة جوية خلفت أكثر من 25 قتيلا بين صفوف المدنيين، وهو ما ترتب عليها زيادة الخلافات بين البلدين. هذه الخلافات التي تصاعدت بشكل كبير بعد عملية مقتل بن لادن والتي ترافق معها وبعدها توجيه انتقادات واسعة من قبل مؤسسات سياسية غربية، خاصة في الولايات المتحدة وبريطانيا، للحكومة الباكستانية التي تم النظر إليها على أنها كانت متواطئة مع تنظيم القاعدة وزعيمه بن لادن الذي كان يتواجد على أراضيها لمدة ست سنوات كاملة وفي منطقة مهمة وقريبة من العاصمة. وزاد من عملية الشقاق في علاقات التحالف التي تربط إسلام آباد بواشنطن، عدم وفاء الأخيرة بوعودها الخاصة بتعويض باكستان عن الأضرار الاقتصادية الناتجة عن مشاركتها في الحرب الكونية التي تشنها ضد ما تسميه الإرهاب الإسلامي والتي قدرتها الحكومة الباكستانية بأكثر من ستين مليار دولار في حين أن ما حصلت عليه من واشنطن لا يزيد عن عشرين مليار دولار في خلال العشر سنوات الماضية. يضاف إلى ذلك غضب باكستان من عدم وقوف الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى إلى جانبها في محاولتها لإقالة اقتصادها من عثراته التي تزايدت، من خلال الحصول على مساعدات اقتصادية من البنك الدولي وشقيقه صندوق النقد، حتى إن الحكومة الباكستانية فشلت في تحرير مساعدات بحوالي 4 مليارات دولار كان قد احتجزها الصندوق من أصل أحد عشر ملياراً وعدت بها باكستان في أواخر عام 2008 لإنقاذ البلاد من التخلف عن سداد ديونها الخارجية. وكان قرار الاحتجاز الذي اتخذه الصندوق رداً على فشل الحكومة الباكستانية في اتخاذ الخطوات التي وعدت بها لزيادة نسبة الضرائب إلى الناتج المحلي الإجمالي التي كانت منخفضة للغاية. هذا التخلي الأمريكي والغربي عن باكستان في وقت أزمتها الكبيرة تلك، جعلها تتجه إلى الصين، عدو الغرب الذي ينتظر الفرصة للانقضاض على مناطق النفوذ الغربية التقليدية ليس فقط في الجوار الآسيوي ولكن في كل المناطق التي يمكن أن تصل إليها يده. ولعل التواجد الصيني المتزايد في القارة الإفريقية يؤكد هذا المعنى. حيث وصلت الاستثمارات الصينية هناك إلى مئات المليارات من الدولارات، خاصة في مناطق الاكتشافات البترولية الجديدة مثل السودان التي تستثمر في قطاعها البترولي فقط أكثر من ستة مليارات دولار. وهو الأمر الذي دفع الرئيس السوداني عمر البشير إلى خوض غمار رحلته المحفوفة بالمخاطر لزيارة بكين التي أصبحت الحائط الجديد الذي تستند إليه الدول التي لا تستطيع تحقيق التوافق مع واشنطن المتخلية. وبالفعل تعمل الصين على اقتناص تلك الفرصة السانحة لتغيير مدار التحالف الباكستاني من الولايات المتحدة إليها، خاصة وأنها أكدت في أكثر من مرة أنها " صديق باكستان في السراء والضراء" كما قال رئيس الوزراء الباكستاني يوسف جيلاني الذي يتذكر جيدا كيف وقفت بكين إلى جانب بلاده في أزمتها خلال عام 1996 التي يقول عنها شاهد جاويد بركي وزير المالية حينذاك، إن بلاده كانت في ذلك الوقت على شفا الإفلاس وفكرَت في الامتناع عن سداد ديونها، وأنه حينما ذهب إلى بكين طلبا للمساعدة أبلغه رئيس الوزراء الصيني آنذاك تشو روج جي، أن الصين لن تسمح بإفلاس باكستان ما دام رئيساً لوزرائها، وأمر بوضع خمسمائة مليون دولار على الفور في حساب باكستان مع بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك. ويبدو أن الصين – كما يقول بركي - تتبنى النهج نفسه اليوم في التعامل مع باكستان، في ظل تهديد الكونغرس الأمريكي بقطع المساعدات عنها. وهو ما يعني أن باكستان قد تضطر في النهاية إلى السير في المدار الصيني المتلهف على جذب كل من تتخلى واشنطن والغرب عنه.