10 سبتمبر 2025

تسجيل

خارح العلم والفلسفة

18 يوليو 2024

تاريخ الفلسفة هو تاريخ فهم العالم. الفيزيقي، أو الطبيعي، الذي نعيشه، والميتافيزيقي الذي لا نراه أو «ما وراء الطبيعة». لم يكن الفلاسفة وهم يفكرون مجبرين، لكن كانوا يضعون أسسا للتفكير الإنساني اختلفت بينهم، ويطول فيها الكلام. هكذا صارت الفلسفة عونا لكل الباحثين في شتى المجالات، وعونا في طرق الحكم، ولكل المبدعين أيضا في الفنون بكل تجلياتها البصرية أو اللغوية. لم تكن الفلسفة بعيدة عن فهم الاقتصاد وكيف يمكن تفعيل الأفكار المختلفة لبناء الحياة. أخذ الاقتصاد أشكالا عبر التاريخ ووجد من يقدم التبرير الفلسفي لها، سواء في عصور الاستعباد أو العصور الإقطاعية أو الرأسمالية أو الشيوعية أو الرأسمالية الجديدة بأشكالها المتوحشة. مشكلة الحكم في مصر الآن أنك لا تستطيع أن تضعه بين أي من أشكال الاقتصاد. في الفترة ما قبل 1952 كانت الرأسمالية تحت شعار النهضة والحرية تبني نفسها، فالمجتمع الأهلي هو الذي أقام المصانع والمدارس والمستشفيات والجامعات والسينما والمسرح والمجلات الأدبية والثقافية رغم أي عيوب يمكن ترديدها، فلا يوجد نظام كامل وإلا توقفت البشرية، فسعي البشرية دائما هو البحث عن الأفضل. بعد انقلاب يوليو صار الشعار هو الإشتراكية، فأممت الحكومة كل الإنجازات السابقة وصارت دولة مركزية. قلت مساحة الحرية وانفتحت المعتقلات، في نفس الوقت الذي أقامت فيه الدولة المركزية أكثر من ألف مصنع جديد ومدارس ومستشفيات كثيرة. كانت هناك فلسفة رغم عيوبها ظهرت بشكلها المقنع لمن لم ينشغل بالسياسة أيام عبد الناصر إذ رأى المصانع والمدارس والمستشفيات يتم بناؤها، وغطى شعار الاشتراكية على مركزية الدولة. مع السبعينيات وسياسة الرئيس السادات عاد الحديث عن الحرية وتشجيع القطاع الخاص ولا أحد ضد ذلك، لكن الذي حدث أن الدولة المركزية ظلت تمسك في يدها كل شيئ وبدأت مرحلة معاكسة وهي بيع المصانع، ولا يعني تشجيع القطاع الخاص أبدا بيع المصانع لأن من اشتروها في الأغلب هدموها وتحولت إلى بنايات وعمارات وهي الثقافة الأسرع ربحا. ظل النظام مركزيا من ناحية ومشجعا للقطاع الخاص بشكل صوري فلم يكن للتشجيع معنى إلا بيع أصول الدولة من المصانع. استمر الأمر سنوات مبارك وزاد الأمر سوءا أن المركزية الجديدة وهي تبيع المصانع فتحت الطريق واسعا للمستشفيات والمدارس والجامعات الخاصة فتدهور التعليم والعلاج العام وتراجعت أحوال البلاد أكثر. كان الحديث عن تشجيع القطاع الخاص هو الفلسفة في النظام الاقتصادي رغم أنها فلسفة خادعة. هذا لا يزال في مصر حتى الآن، بيع ما تبقى من المصانع مستمر، ووصل إلى الشواطئ وإلى المباني القديمة ذات الطراز الأوربي التي تم تأميمها في الستينيات وصارت ملكا للدولة. لم نعد نسمع كلمة تشجيع القطاع الخاص التي كانت مبررا للبيع من قبل، لكن صرنا نسمع عبارة بيع أصول الدولة لتسديد ديونها. هذه الديون التي جاءت بسبب مشاريع غير منتجة مثل الطرق والكباري بالمئات أو بناء عاصمة جديدة. ووضع الدولة رهينة للبنك الدولي وقروضه التي لا تذهب أبدا إلى مشروعات منتجة. لا هو يوافق ولا النظام الحاكم يريد. رغم أخطاء الفترات السابقة، فالآن لا توجد لا فلسفة حقيقية مثل أيام عبد الناصر وشعار الإشتراكية، ولا فلسفة خادعة مثل أيام السادات ومبارك، لكن يوجد صراحة بأن مصر مديونة ديونا كبيرة، لكن لا صراحة في سبب هذه الديون. كيف لا يتعظ أحد مما سبق، وما هي الفلسفة التي وراء هذا الاقتصاد حتي لو كانت خادعة. لا فلسفة ولا عِلم في الاقتصاد وكيف تزدهر البلاد.