19 سبتمبر 2025

تسجيل

الأسرة والشباب في الإجازة الصيفية

18 يوليو 2019

 تزامناً مع انقضاء العام الدراسي ومرحلة الاختبارات النهائية من كل عام يستقبل شبابُنا وبناتُنا الإجازةَ الصيفية بكل شوق وحماس، ولكلٍّ منهم خُططه في كيفية الاستمتاع بالإجازة، وتختلف توجهات شبابنا لقضاء الإجازة بشكل كبير، فهم ما بين معتدلٍ متزنٍ مستقيمٍ، وما بين مستهتر وعشوائي بشكل كبير، ولا شك أن أوقات الإجازات والعطلات فرصة كبيرة للشباب والبنات للترويح عن النفس وصفاء الذهن بعد عام دراسي طويل؛ فحقهم الاستمتاع بها حتى يمكنهم شحن طاقتهم للعام الجديد، لكن يجب على الشباب في التخطيط لقضاء الإجازة التركيزُ على النشاطات ذات الفائدة والمنفعة لهم ولذويهم وللمجتمع من حولهم، فالأنشِطة الهادفة لها تأثير إيجابي على الشباب تُعوِّدهم على الاستقلالية وبناء الشخصيَّة، وتعْزيز الثِّقَة بالنَّفس، واكتِساب الخبرات، ونضوج الأفكار والقدرات، وتنمية الهوايات والمَلَكات واكتِساب المهارات الفكرية والحرفية والاجتماعية، وتفريغ الطاقات ورفع المعنويات، والتخلُّص من الضغوط النفسية المكبوتة طوال العام.. وبالطبع مرحلة الشباب تتميز بالطاقات الهائلة التي يجب تصريفها فيما ينفع ويفيد أصحابَها، وبالإمكان تحقيق ذلك إذا اهتمَّ شبابنا بنشْر ثقافة الوعْي بأهمية استثمار العطلة الصيفية قبل بَدئِها فيما بينهم، والمجتمع كله مسؤول عن توعية الشباب بدءاً من الأسرة، ثم الوالدين، ثم الأبناء بأهمية الإجازة بالنسبة لهم وحَثهم على استغلالها والاستمتاع بها.  وهنا أودُّ التركيز على أمر مهم يخص بعض الآباء والأمهات من فرط خوفهم وحرصهم على أولادهم وبناتهم يحرمونهم من قضاء الإجازات على طريقتهم، وهذا بلا شك خطأ كبير؛ فالحرمان من الاستِمْتاع بالإجازة هو عقاب نفسي قاسٍ لشبابنا وبناتنا بعد عام دراسي مُرْهِق نفسيًّا ومُنْهِك جسديًّا، في وقت كان من المفْتَرَض فيه أن تكون عطلة الصيف التي انتظروها بشوقٍ ولهفةٍ وحماسٍ هي المكافأة لهم على تعبهم طوال العام، فإن لم يستمتعوا بها فلن يمكنهم استعادة نشاطِهم وحيويَّتهم عند عودتهم للدراسة خلال العام الدراسي الجديد، لأن الوالدين حرموهم من أبسط حقوقِهم، وهو حقُّ الترويح المُباح والاستمتاع بالعطلة الصيفية، وقد حثنا ربنا على الاستمتاع بالحياة والترويح عن النفس فقال تعالى: { وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} "القصص: 77".  فينبغي على رب الأسرة ترتيب خطة لقضاء الإجازة بالتنسيق مع الأم والأبناء، نشارك أبناءنا اهتماماتهم وهواياتهم ويضع الأب الضوابط التي يلتزم بها الجميع سواء عدم الإسراف في السهر خارج المنزل وكذلك الانتباه إلى ما يشاهده الأبناء والبنات في أوقات الفراغ الطويلة في الإجازة وتوعيتهم لخطورة ما يشاهدون ويتابعون من خلال قنوات التلفاز أو مواقع التواصل الاجتماعي؛ فيجب على الآباء والأمهات تنظيم الإجازة لأولادهم ومتابعتهم بشكل ودي دون إلزام أو مراقبة حتى لا يشعر الأولاد بالضيق والملل من كثرة الأوامر والنواهي.  فنوصي شبابنا الذين يقضون الإجازة داخل البلد أو في السياحة الخارجية أن يجتنبوا كل ما حرَّم الله تعالى؛ فعليه بتقوى الله في السر والعلن، فلا ينجرف إلى المعاصي واللهو بحجة الترويح عن النفس وقضاء الإجازة، فراحة النفس في طاعة الله وبهجتها في اتباع صراط الله، فأوصيكم أبنائي الشباب بالاعتدال والوسطية في كل أموركم ولا سيما في الخارج، نريد منكم أن تكونوا سفراءَ مميزين لِدِينكم، ونريد منكم تمثيلاً مشرفاً لوطنكم، وأن تكونوا انعكاساً طيبا لتربية والديكم. وفي الختام نود التنبيه على دور الدولة ومؤسسات المجتمع في التخطيط لإجازة صيفية مفيدة وهادفة للشباب، فدور الدَّولة هو الاهتمام بفئة الشباب وإمكانية استغلال طاقتهم في عمل نافع لهم ولأسرهم وللمجتمع من حولهم، فيجب دعم المؤسَّسات والمراكز الصيفية ماديًّا ومعنويًّا بشكل كبير في الإجازة الصيفية فمِثْل هذه المراكِز تُخرِّج لنا أجيالاً مسؤولة واعية مثقفة تخدم الوطَن، وتبْني مستقبلَه، وكذلك تنشر الوعي وتحمي شبابنا من الأفكار الضالَّة والمتطرِّفة الهدامة لكل إنجاز وتبعدهم عن الانْحِرافات المؤْذِية لهم ولأُسَرِهم وأوطانِهم؛ فيجب على المسؤولين والمُشْرفين على المراكز الصيفية التخطيط السليم، والإعداد الجيِّد والمدروس، بالتعاون مع الشباب أنفُسِهم؛ لتوفير النَّشاطات المختلِفة والمتنوِّعة التي تلبِّي كافَّة احتياجاتِهم، على اختلاف أذواقهم وأعمارهم، واهتماماتهم وطريقة تفكيرهم؛ كي تكون هذه المراكز أماكنَ جذبٍ لكل فئات الشباب من الجنسين بشكل يتماشى مع تعاليم ديننا السمحة وثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا الأصيلة، بحيث تحتويهم هذه الجهات وتلبي تطلعاتهم، وتنمي مواهبهم وأفكارهم حتى يمكننا مهاجمة الفراغ، واستغلال الوقت في الأنشطة الهادفة، فكل الدراسات الحديثة تُثْبِت وجود علاقة ارْتِباط قوية بين فراغ الشباب والانحراف والفشل بكل أنواعه، فالفراغ مفسدة كما تعلمون وكما قال أبو العتاهية:  إِنَّ الفَرَاغَ وَالشَّبَابَ وَالجِدَهْ مَفْسَدَةٌ لِلمَرْءِ أَيُّ مَفْسَدَة.  أتمنَّى لأبنائي وبناتي قضاءَ إجازة سعيدة مفيدة لهم ولذويهم ولمجتمعهم من حولهم.  ونسأل الله تعالى أن يحفظ شبابنا وبناتنا من كل مكروه وسوء، وأن يجعلهم من الصالحين المصلحين النافعين لدينهم ووطنهم وأمتهم يارب العالمين، اللهم آمين. [email protected]