17 سبتمبر 2025

تسجيل

قوة العرب في اتحادهم أو يلغيهم التاريخ !

18 يوليو 2017

احتار العالم فينا نحن العرب بعد أن مرت من القرن الجديد سبعة عشر عاما عجافا لم تزدنا جميعا سوى تعاقب الأزمات و تفاقم المصائب و قال البعض منا أن رؤية الرسول الأعظم في خطبة الوداع قبل خمسة عشر قرنا تحققت بتقاسم الأقوياء لحمنا و أرضنا و خيرنا كأنما يتهافت الأكلة على قصعتنا من كل حدب و صوب فهل بالفعل رغم كثرتنا أصبحنا غثاءً كغثاء السيل ؟ ما يحدث في إقليم الخليج منذ شهر يعزز هذا الاعتقاد بتعرض دولة قطر إلى ظلم ذوي القربى وهو أشد مضاضة بعد أن كانت تجربة مجلس التعاون تنعت من المراقبين منذ 25 مايو 1981 بأنها بيضة الديك و أنها الفريدة التي نجحت في توحيد شعوب عربية أصيلة يجمعها التاريخ و تربطها الجغرافيا و تعززها صلات الرحم ! نسي الناس في زحمة المظالم المسلطة على قطر و على شعوب محاصريها أن فضل انتشار الإسلام يعود منذ فجر الرسالة المحمدية إلى هؤلاء الصحراويين الأصلاء الذين غيروا وجهة التاريخ الوسيط بنشر الدين الذي صنع حضارة العلم و التسامح و المنعة و العزة و صدر للغرب علوم الفلك و الرياضيات و الطب و الهندسة و الري و الصيدلة ! ثم الى أين تسير الحروب المعلنة و الفوضوية في سوريا و العراق و ليبيا و اليمن بعد أن خرجت مصائرها من أيدي العرب و تحكمت فيها قوى عالمية أو إقليمية لديها مصالحها المتضاربة و تحالفاتها المتغيرة و لكن ضحاياها الدائمون هم أنفسهم منذ معاهدة سايكس بيكو سنة 1916 أي نحن العرب فعدنا بعد قرن كامل نحمل اسم الرجل المحتضر و تنعت خيراتنا و أراضينا بتركة الرجل المريض الجاهزة للتقاسم بين القوى الأجنبية ! ثم حلت علينا لعنة الإرهاب فأصبح المجتمع الدولي يربط بين الإسلام و العنف و ورطنا بعض الضالين باقتراف جرائم إرهابية منعزلة لأسباب مختلفة لكنها تنتهي بذات النتائج أي بتأليب الرأي العام العالمي ضدنا و في مصر هذا الأسبوع نفذ إرهابيون جرائم لا تبرر و لا تغتفر ضد سواح أبرياء في أحد فنادق الغردقة مثلما صنع سلفهم في أحد فنادق مدينة سوسة التونسية و لم تمح من ذاكرة الأوروبيين جرائم القتل العشوائي و الدهس المتعمد لمجموعات من المواطنين المحتفلين بأعيادهم في باريس أو نيس أو برلين فتشوهت صورتنا و تلوثت سمعتنا رغم أن من بين العرب و المسلمين ضحايا عديدون لهذه الجرائم الإرهابية الجبانة و المجانية و المدانة. نحن نقف اليوم أيضا أمام أنقاض مدينة الموصل أجمل مدن العراق و أعرقها تاريخا و أوفرها تعايشا بين الأديان و الطوائف و الملل و النِّحل حين كانت ضفتا نهر دجلة تجمع بين المختلفين في الدين و المذهب دون أي تمييز أو انحياز فجاء التطرف المقيت يعلن نهاية التعايش السلمي و إقرار الحرب محل السلام الاجتماعي و الحضاري و ستبقى أطلال الموصل لسنوات طويلة شاهدة على انهيار صرح إنساني من الأخوة في الوطن.متى نعي وعيا صادقا أن ما يحدث في سوريا و العراق و اليمن و ليبيا من حروب أهلية أو إقليمية و ما تعانيه مصر أو تونس أو الجزائر أو الأردن من عمليات إرهابية منعزلة ليست شؤونا داخلية لكل بلد من البلدان العربية كما يدعي بعض خبرائنا بل يشكل شأنا عربيا عاما لا يقتصر فصل من فصوله على رقعته الجغرافية بل إنه هم عربي ثقيل و مستمر يتحمل وزره كل عربي أينما كان و متى ندرك أن السر في تجاوزه و طي صفحاته السوداء إنما يكمن في وحدة الصف و لم الشمل و هذا عين ما أنجزته الشعوب الأوروبية بعد حربين عالميتين راح ضحاياهما خمسون مليونا من البشر. ولم تزد المصائب أوروبا إلا توحيدا و تنسيقا و رفع تحديات إلى أن بلغت القارة العجوز مرحلة الاتحاد الأوروبي الذي يشكل قوة موحدة و نافذة و وازنة في السياسات و الاستراتيجيات و الاقتصاد و التجارة و الثقافة و تقرير المصير. ألا يخجل العرب حين يستقبلون الرئيس الفرنسي مثلا و تضع إدارة المراسم العربية وراءه رايتين إحداهما لدولة فرنسا و الثانية ترمز للاتحاد الأوروبي بنجومها الإثنتي عشر على خلفيتها الزرقاء. في الرايتين رمز الانتماء للوطن الأم فرنسا و الإنتماء لإتحاد أوروبي يحد من استقلال كل دولة عضو بإرادتها الحرة لكنه يمنحها القوة التي نفتقدها نحن العرب. إننا مهددون بطردنا من التاريخ و البقاء على هامش الحضارة إذا ما تواصلت إنقساماتنا و استمرت فرقتنا و تجزأت دولنا و تطاولنا على نواميس التاريخ فتحدينا القوانين الدولية و أشعنا الفوضى و أهملنا واجبات الحكم الصالح الرشيد في عالم لم يعد يعترف إلا بالتكتلات الكبرى و الأمم الموحدة.