15 سبتمبر 2025
تسجيللم يكن من الغريب أن يشهد العام الحالي توقيع الاتفاق النووي بين إيران من جهة والولايات المتحدة وحلفائها في الغرب من جهة أخرى، ذلك أن كل المعطيات كانت تشير إلى أن الإقليم بات يعيش اللحظة الإيرانية في أوضح صورها.فإيران الدولة النووية استطاعت أن تنتزع ما تعتبره حقوقها النووية من يد الغرب، بعد أن امتنع عن ذلك سنوات، حاول خلالها الضغط بكل السبل من أجل إنهاء البرنامج النووي لطهران منعا لحصولها على القنبلة النووية التي ستغير حالة التوازن العسكري فيه لغير صالح حلفائه.بطبيعة الحال هذه التنازلات الغربية ما كانت لها أن تتم لولا عوامل مختلفة أهمها صمود إيران أمام العقوبات الغربية بكل أنواعها، وكذلك – وهذا هو الأهم – الانهيار الشديد الذي أصبحت تعاني منه الدول العربية على شتى المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية، خاصة الدول الرئيسية. وهو ما دفع الغرب لإعادة تدوير نقاط الارتكاز لإستراتيجية الهيمنة على المنطقة، بحيث تصبح إيران هي الدولة التي تضمن استمرار الهيمنة والحفاظ على المصالح الإستراتيجية له مقابل السماح لها باستمرار التمدد في المنطقة والتحول إلى قوة إقليمية. خاصة بعد أن أصبح لها أذرع عسكرية في أكثر من دولة عربية مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن.ومع توقيع الاتفاق النووي مع الغرب، ستزيد وتيرة مشروع الهيمنة الإيرانية على المنطقة، خاصة مع توافر موارد دعم جديدة لهذا المشروع، أبرزها إفراج الغرب عن عشرات مليارات الدولارات الإيرانية المجمدة في بنوكه، والتي ستساعد في زيادة قوة أذرعها العسكرية وانتشارها على مساحات جغرافية أكبر، فضلا عن تزايد قدرتها على التأثير السياسي والثقافي في مجريات الأمور في الدول العربية الرئيسية التي تعاني من استمرار التشرذم السياسي والأمني الداخلي، وعدم قدرتها على حسم خياراتها نحو وقف هذا التدهور الحاصل فيها، فضلا عن التوحد في مواجهة المشروع الإيراني.هذا المشروع الإيراني – الغربي سيترتب عليه تفتيت المنطقة وإعادة ترتيبها جيوسياسيا، كما حدث بعد اتفاقية سايكس بيكو. وهذا التقسيم الجديد للمنطقة سيكون البداية وستتلوه خطوات أخرى ستنهي تماما على الهوية الثقافية والدينية للمنطقة العربية السنية.ولعل هذا ما بشرنا به مدير المخابرات الأمريكية السابق مايكل هايدن في حوار أدلى به لمجلة "لوفيجارو" الفرنسية مؤخرا، حينما أشار إلى أن هناك دولا عربية اختفت من الخريطة السياسية للشرق الأوسط، وهو يقصد بذلك العراق وسوريا التي يسيطر على أجزاء كبيرة منهما تنظيم الدولة الإسلامية، مضيفا أن هناك دولا أخرى في طريقها للاختفاء. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يعيد التاريخ نفسه وتتحقق المخططات الأجنبية مرة أخرى، ويتم إعادة تقسيم المنطقة العربية؟ أم ستكون الشعوب العربية أكثر وعيا هذه المرة وتقف أمام هذه المخططات، خاصة بعد أن فاجأت الجميع في 2011 وثارت ضد نظم الحكم الاستبدادية المتحالفة مع تلك القوى التي تريد تكرار التاريخ؟حتى الآن الإجابة ليست محسومة لأي من الطرفين، لكن من يدري؟