16 سبتمبر 2025
تسجيلبينما كان النبي عليه الصلاة والسلام، يمشي مع بعض أصحابه، رضي الله عنهم أجمعين ، وكانوا حوله كالهالة تحيط بالبدر، إذ مروا على قبر جديد، نفضت الأيدي عنها غباره من قريب ، ولمّا عليه الصلاة والسلام، على كل أحواله هادياً ومعلماً وسراجاً منيرا، لا يدع محل خير، إلا رغب فيه وبشر، ولا يدع محل شر إلا رهب منه وحذر، سألهم، من صاحب هذا القبر؟ فقالوا: فلان، فقال: ( ركعتان خفيفتان مما تحقرون أحب إليه من بقية دنياكم ). وأناشدك الله أيها القارئ الكريم، أن تقف هنا معي هنيهة، وقفة تأمل وتفكر، إذ يتجلى أولاً في هذا الحديث، نموذج من نماذج الأسلوب التعليمي للنبي عليه الصلاة والسلام، أسلوب السؤال والجواب، فالنبي حين يلقي السؤال على صحابته، يهدف إلى جذب الانتباه، وإيقاظ الحواس، وتشويق المخاطب، لمعرفة ما بعد السؤال، وتالياً يتهيأ ذهنه لتلقي المعلومة، فتكون أدعى للثبات والرسوخ في عقله، وهذا هو الأسلوب الأمثل الذي توصل إليه المربون في عصرنا الحاضر، قد هدانا إليه معلم البشرية، ومهذب الإنسانية . ثانيا، اختياره عليه الصلاة والسلام، ألفاظاً مناسبة لما يريد إيصاله من معاني، ففي قوله (مما تحقرون ) أي مما ترونه هيناً ويسيراً وقليلاً ،وقوله (بقية دنياكم)، ولم يقل مثلاً كل دنياكم، ما يوحي بدناءة وحقارة وصغر الدنيا، ومهانة شأنها، وأن ركعتين خفيفتين خيرٌ للمسلم من حطامها وملذاتها وزخارفها الفانية الزائلة، كما هما أحب للميت يقيناً منها، بعد أن انكشف عن عينيه الغطاء في حياة البرزخ ، وصار بصره حديداً ، فعرف الأشياء على حقيقتها، فالنبي عليه الصلاة السلام، يلفت المسلم إلى أن الدنيا لا تزن شيئاً؛ لأنها فانية، وأن العمل للآخرة، بالصلاة والذكر والدعاء، وغيرها من الطاعات، هو الباقي الذي يجد المسلم غداً ثوابه أفقر ما يكون. إتماماً للفائدة، أورد الحديث الآتي روى عثمان بن عفان رضي الله عنه في الحديث الصحيح أنه رأى الرسول توضأ ثلاثاً ثلاثاً – أي غسل كل عضو ثلاث مرات- ثم قال: (من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين، لا يحدث فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه). يا الله، يا ربنا، يا إلهنا، يا مولانا، أبركعتين اثنتين يغفر للمسلم ما تقدم من ذنبه، إن خشع ولم يحدث فيهما نفسه، ما أعظم جودك وفضلك، وما أوسع مغفرتك ورحمتك ، أنت القائل عزّ من قائل في كتابك العزيز (ورحمتي وسعت كل شيء)، والقائل أيضا: (والله ذو الفضل العظيم). لكنّ صلاة هاتين الركعتين لكبيرةٌ إلا على الخاشعين، من اليسر بمكان، على من يسرها الله عليه، فالبَدار بالعمل، قبل انقضاء الأجل. اللهم وفقنا إلى ما تحبه وترضاه، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تحرمنا خير ما عندك، بسوء ما عندنا، اللهم آمين.