18 سبتمبر 2025

تسجيل

أسمهان وحصاد المصادفات

18 يوليو 2013

كاميليا وغيداء امرأتان عربيتان، أولاهما من لبنان، وفي هذا الزمن العربي المعتل والمختل لا بد من القول إنها تنتمي إلى طائفة الدروز، أما المرأة الثانية فهي من العراق، ولأنها مسلمة سنية تلقت منذ عدة سنوات تهديداً بالقتل إذا لم تغادر مدينتها - البصرة - حتى يحقق التطهير المذهبي مبتغاه وما يتمناه!. كاميليا لا تعرف غيداء والعكس صحيح، لكني قرأت اسم الأولى عشرات المرات عندما كنت وما زلت مهتماً بتتبع سيرة حياة أمها المشهورة، كما التقيت مع الثانية لقاء مطولاً على امتداد يوم كامل في مدينتها - البصرة - التي أُخرجت منها فيما بعد، وقد سعيت - وقتها - للقائها باعتبارها ابنة رجل شهير ممن أحبهم. حصاد المصادفات هو عنوان قصيدة جميلة للشاعرة الكبيرة نازك الملائكة، وقد تذكرت هذا العنوان الذي يصور ما قد تفاجئنا به الحياة، وهذا الحصاد هو ما يجمع بين كاميليا وغيداء، وهو الذي يذكرني - بين حين وآخر - بكل منهما، كما أن هذا الحصاد هو الذي يجمع في ثناياه ما بين ثنائية الحياة والموت، فعندما كانت كاميليا تحتفل مع ذويها في لبنان بعيد ميلادها العاشر، تلقت خبر غرق أمها في النيل بمصر يوم 14 يوليو سنة 1944 وعندما كانت غيداء تحتفل بعيد ميلادها الثامن مع ذويها في البصرة، كانت روح أبيها تفيض وهو في المستشفى الأميري بالكويت يوم 24 ديسمبر سنة 1964. أسمهان الرائعة هي والدة كاميليا، وبدر شاكر السياب هو والد غيداء، وحين أكتب - كما هو شأني مع من أحبهم - عن ذكرى صاحبة الصوت السماوي الأخضر، فإني أتذكر - تلقائياً - ابنتها، وكذلك الحال حين أكتب عن الشاعر الرائد العظيم، فإني أتذكر ابنته، متسائلاً في صمت وفي حزن عن حصاد المصادفات الذي جمع ما بين كاميليا وغيداء. هل تستطيع كاميليا أن تحتفل بعيد ميلادها وهو نفس اليوم الذي غرقت أمها خلاله، وهل تستطيع غيداء أن تحتفل بعيد ميلادها وهي تعلم أن أباها قد غاب عنها وعن الحياة كلها في مثل ذلك اليوم؟ كثيرون يقولون إن النسيان نعمة، فهل يا ترى تستطيع كاميليا أن تنسى يوم غياب أمها أسمهان وهي تحتفل بعيد ميلادها، وهل يمكن للابنة غيداء أن تنسى الأب بدر شاكر السياب حين تفكر في عيد ميلادها؟! طرحت على نفسي هذا التساؤل بدل المرة مرات، ويبدو أني أريد التخلص من وقع هذا التساؤل، بأن أكتبه على الورق لكي أخرجه بعيداً عن أعماقي! ومع هذا التخلص الذي أحاوله أتساءل في الخاتمة: هل النسيان حقاً نعمة، وهل الذاكرة الحية نقمة؟! ليس سرا أني تواصلت وما زلت أتواصل مع غيداء ابنة الشاعر العظيم الذي حفظت روائعه منذ كنت طالبا جامعيا، وليس سرا أني تواصلت مع كاميليا الأطرش ابنة أسمهان التي أشعر حين أسمع صوتها أن هذا الصوت النادر وردة ترتوي بالألم، وها أنذا أكتب هذه السطور في أجواء ذكرى غيابها عن محبيها وعشاق صوتها منذ تسع وستين سنة، وإذا كانت أسمهان قد رحلت عن عالمنا، وهي في عنفوان الشباب، ذات صباح مكفهر الملامح، هو صباح يوم الجمعة 14 يوليو سنة 1944 فإن عشاق الأصوات الجميلة والأصيلة لا يستطيعون- رغم انقضاء كل ما انقضى من سنوات- أن ينسوا هذه الفنانة الرائعة.