20 سبتمبر 2025
تسجيللم يتأخر المقيمون بقطر عن اتخاذ موقف من الحصار، فمنذ الساعات الأولى الغادرة أدرك مقيمو قطر أن هذا الحصار الظالم الجائر لا يفرق بين مواطن ومقيم، فقالوا لحصار دول الحصار: لا، وما زالت هذه الـ"لا" إلى يومنا هذا. وبالضبط تمامًا مثلما وحَّد القطريون أنفسهم فكانت "قطر"، كذلك المقيمون بقطر وحَّدوا أوطانهم فكانت "قطر" أيضًا، وانتشر وسما #كلنا_قطر #كلنا_تميم من دون ترتيب مسبق ولا اتفاق مُعَد، فكان العنابي هو وشاح الجميع، لا تميز به قطريا عن مقيم في حسابات التواصل الاجتماعي. ومن هنا يمكن أن نقول إن أول المتضامنين مع قطر هم المقيمون فيها، ومن ثم هبت جماهير خليجية وعربية وإسلامية ودولية لتقول لقطر: لستِ وحدك، كلنا معك، فأعلن الملايين من خارج قطر تضامنهم مع قطر، وموقفهم ضد حصار قطر، فدول الحصار قطعت العلاقات مع قطر من هنا، وعلاقات أخرى مدت حبال الوصل والتواصل مع قطر، نعم فأحرار العالم نصروا قضية قطر العادلة، وإلا فمن أجبر الناس في وسائط التواصل الاجتماعي على تغيير صورة العرض في حساباتهم لتكون صورة سمو الأمير وصورة سمو الأمير الوالد، ومن الذي قال لهم وهم من شتى أصقاع الأرض أن يضعوا رمز العلم القطري في ملفهم الشخصي "بروفايل"، ثم من صاغ لهم تلك العبارات الرائعة من مثل: قطري الهوى، وقطري الانتماء، ومتضامن مع قطر حتى رفع الحصار، والبلد الذي لا تحميه لا تستحق العيش فيه، والحمد لله على نعمة قطر وتميم، وأما عبارتي التي اخترتها لنفسي فقلت منذ سنة: مقيمون في قطر، أوفياء لبلدنا الثاني الذي يحكمه تميم آل ثاني، نعبّر عمّا يعبر به أهلنا في قطر، قطري ومقيم كلنا تميم. في اليوم الثاني من الحصار خرجت بسيارتي متجولا بعد الإفطار مباشرة، لكي أرى قطر من الداخل، بعد أن أشاعت دول الحصار الإشاعات، وفبركت الفبركات، ولفَّقت التُّهَم والإساءات، خرجت عشيتها فلم أرَ إلا حياة طبيعية كما عشناها قبل الحصار وكما نعيشها اليوم بعد عام من الحصار، لم يتغير شيء أبدًا، سوى حديث "الساعة الصغرى" عن الحصار في المجالس واللقاءات، كان أذان العشاء قد أذَّن وأنا أسوق السيارة وأرى الناس قد توجهوا إلى المساجد لأداء صلاة العشاء والتراويح، فالحصار لم يؤثر على صيام الناس ولا على صلاتهم ولا على ذكرهم لله، المساجد ممتلئة كما هو حالها في قطر دومًا، عامرة بقلوب المؤمنين، وإذا دخلت أي مسجد فسترى القائمين والعاكفين والقارئين للقرآن والذاكرين الله والركع السجود، فضلا عن حضور المرأة القطرية والمقيمة بقطر في مصليات النساء وعبادتهن لله تعالى. وليس بعيدًا عن أجواء المساجد والمصليات رأيت عوائل محترمة قد جلست في الحدائق العامة، مستأنسة بالجو الرمضاني اللطيف في ليالي العام الماضي التي تميزت بالجو الصافي والريح الطيبة، وأما كورنيش الدوحة فهو هو بروحه الرياضية التي لا تنقطع، فالجري والركض والتمارين السويدية كانت تملأ الكورنيش من فندق الشيراتون وحتى مقهى حالول. مما لفت انتباهي يومها عمال البلدية، كانت سيارات الماء تقف عند كل شجرة في الشارع لتسقيها، إنه الأمل بالحياة الذي لم ينقطع من أول يوم في الحصار وإلى هذه اللحظة، فالحياة في قطر لا يمكن الاستغناء عنها بسهولة، كان مشهدًا عجيبًا وأنا أطالع الأشجار تروى بماء قطر لتعيش إلى اليوم التالي، القصد أنه لم يتوقف شيء في قطر، نعم الناس مصدومة، لكن العمل لم يتأثر فالحياة كانت طبيعية وطبيعية جدًا. لا أطيل عليكم لأني لم أتأخر كثيرا بجولتي في الدوحة، فرجعت إلى المنزل وجلست أمام شاشة تلفزيون قطر وإذا بمسلسل "الإمام" عن الإمام أحمد بن حنبل، فكان كأنه التوجيه المعنوي للقطريين والمقيمين بقطر؛ لأنه كما تعلمون من سيرة ابن حنبل كانت نموذجا متميزا في الصبر والمصابرة في الفتن والمحن والشدائد، والثبات على الحق مهما كلَّف الأمر، وصناعة الهيبة والهوية والمحافظة على الأصالة والتراث، علمًا بأن المسلسل بدأ عرضه في الأول من رمضان فلم يكن مقصودًا إذ هو من أعمال 2016، ولكنه جاء بالوقت المناسب والمكان المناسب، فهو من إنتاج مؤسسة قطر للإعلام. انتهى هذا اليوم ولم تنتهِ الاتصالات من الأهل والأصدقاء خارج قطر، للاطمئنان علينا، والاستفسار عن الحصار، والمبادرة بأي مساعدة أو دعم لنا ماديًا ومعنويًا، فكنا نشكرهم ونبتسم، لأنهم لا يعرفون قطر جيدًا، تصوروا أن حصار قطر من حصار العراق وغزة والسودان وغيرها من البلاد التي كانت محاصرة، تصوروا أننا نعاني مثلما عانى غيرنا، فكنا نقول لهم: الأمور طيبة، وليس كما تتصورون، الجماعة هنا في قطر نحييهم على سياستهم الاقتصادية ونجاحهم في إدارة الأزمة، لم ينقطع عنا في الحصار شيء مما تشتهيه الأنفس بالدنيا، رأينا من حاول أن يشتري كل شيء وزيادة تحسبًا للظروف، ولكن الظروف لم تأتِ ولن تأتِ بإذنه تعالى، ومع ذلك وما أن أوشكت رفوف البضائع الغذائية على النفاد حتى امتلأت مرة أخرى بأنواع وأعداد وأصناف وأشكال ما رأيناها قبل الحصار، فاللهم أدمها نعمة.