14 سبتمبر 2025

تسجيل

نعمة العافية

18 يونيو 2015

عالم اليوم فتن وحوادث وأمراض وبلايا وأحوال وتحولات ومتغيرات. دنيا غزارة متقلبة ومصائب وقتل وحرق ودمار. زمان أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. جاء أناس إلى أنس بن مالك يشكون ظلم الحَجاج، فقال لهم (اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شرٌ منه حتى تلقوا ربكم. سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم) وقال صلى الله عليه وسلم: يتقارب الزمان ويقبَض العلم وتظهر الفتن ويُلقى الشح ويكثر الهرج. قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: القتل. رواه البخاري ومسلم. - قتل ودمار وخراب في كل مكان، وخوف وفزع وهلع وجوع وعطش، وظلم واعتداء وطائفية وجاهلية مقيتة. يقول رسول الله: إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين عضوا عليها بالنواجذ.... يعني من تطول به الإعمار ويدرك الزمان الآخِر فسوف يرى ما يخالف الشرع الذي جئتكم به فقابلوه بالتمسك بما جئتكم به من الحق. - لكن الله تعالى الذي وعد عباده المؤمنين بالأمن في الدنيا ولا خوف عليهم فيها وبعدها ولا هم يحزنون لا يخلف وعده سبحانه وتعالى {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ.(الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) جعل لهم ملاذا يلوذون به ويلجؤون إليه ويعتصمون به فيسلموا وينجوا. إنها عافيته جل وعلا وكنفه وجنابه. يقول الله تعالى (وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) من اعتصم بالله وتمسك به فقد اتبع طريق السلامة والأمان في الدنيا والآخرة. ويقول رسول الله: سلوا الله العفو والعافية. ويقول: اللهم إني أسألك العافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي. - العافية من أجلّ النعم وأكبر المنن، إذا أراد الله بعبده خيرا أعطاه العافية. فهي خيرُ الدنيا والآخرة، هي النعمة المرجوة والمنَّة المتطلَعُ إليها والجديرة أن يسألها العبد ربه عز وجل في كل وقت وحين. ويتأكد سؤالها أكثر اليوم وفي هذا الزمان الذي نعيشه لكثرة المتغيرات والتحولات وانقلاب الموازين والمفاهيم وكثرة الشاردين عن الدين والمفترين على الله ورسوله والمغترين بالدنيا وشهواتها وملذّاتها. - وقالوا: النعمتان المكفورتان الأمن والعافية، يعني أن كثيرا من الناس لا يؤدي شكر هاتين النعمتين بل يلعب فيهما ويبعثرهما، وهذا القول مأخوذ من حديث رسول الله (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ) العافية هي: السلامة والمعافاة والنجاة من البلاء والمحن والضوائق والمكروهات في الدنيا والآخرة. وهي السعة من الضيق والرحمة بعد العذاب والتيسير بعد العسير والراحة بعد التعب والحب والمودة بعد البغض والكره وتكون العافية في الدين والنفس والبدن والمال والولد والأهل والبلد والعلم والعمل وفي كل شيء. من أهميتها ورفعة قدرها سألها رسول الله لنفسه وأهله فقال: (اللهم إني أسألك العافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي حتى سأل للأموات (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أهْلَ الدِّيَارِ، مِنَ الـمُؤْمِنِينَ، والـمُسْلِمِينَ، وَإنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاحِقُونَ، يَرْحَمُ اللَّهُ الـمُستَقْدِمينَ مِنَّا ومنكم والـمُستأخِرينَ أسألُ اللَّهَ لنَا وَلَكُمُ العَافِيَةَ). ونصح الأمة أن يسألوها الله تعالى في الحديث: أن العباس بن عبد المطلب جاء إلى رسول الله فقال: يا رسول الله علمني شيئاً أسأله الله تعالى، قال: سلوا الله العافية. فمكثت أياماً ثم جئت فقلت: يا رسول الله علمني شيئاً أسأله الله تعالى، قال لي: يا عباس يا عم رسول الله سلوا الله العافية في الدنيا والأخرة) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيحالعافية: عطية هبة ربانية لا تشترى بالأثمان ولا توزن بالأوزان، وإنما تنال بطاعة الديان بالعمل بالدين ومتابعة رسول الأنام عليه الصلاة والسلام. يقول الله تعالى (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) هي بركة الدنيا والآخرة فمن أُوتيها فقد أوتى خيراً كثيراً، ولهذا نصح النبي عليه الصلاة والسلام الأمة أن يسألوها الله تعالى في كل أمورهم وشؤونهم وأحوالهم، في أبدانهم وبلدانهم وأنفسهم وذرياتهم وأهليهم وأموالهم، حتى عند لقاء العدو وزيارة المقابر وإذا ذهبوا للنوم وأخذوا مضاجعهم وإذا رأوْا المبتلى وأهل البلوى كما في قوله (سلوا الله العفو والعافية) مصدر العافية: - العافية مصدرها دين الله الإسلام والصلة بالله تعالى والاهتمام بأمره. فمن أقام الدين الحق قولا وعملا واعتقادا صحيحاً فله الخير والعافية. يقول الله تعالى (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) ومن ابتغى العافية في غير دين الله الإسلام فكأنه يركض وراء السراب. يقول الله تعالى (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى) تحول العافية: هذه بذاتها قضية تحتاج لوقفة طويلة لخطورتها ووقوع كثير من الناس فيها وهي أن البعض يظن أن العافية باقية مستقرة لا تزول. وهذا خلاف ما ثبت في الوحي المنزل على رسول الله فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه استعاذ ربه جل وعز من تحول العافية وذهابها فقال (اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك) تتحول العافية وتزول عن الأبدان والبلدان والذريات والأموال إذا لم تقدر ولم تشكر وحين الغفلة. تتحول العافية إذا لم تجد من لا يقدرها ويداريها ويحوطها بالرعاية وشكر المنعم. تتحول العافية إذا تُرك الباب مفتوحا للعابثين والجهلة والمغرورين والعصاة والمجرمين، إذا تُرك الأمر لهؤلاء يشرِّقون ويغربون. فإذا عُملت المعاصي والذنوب ولم تجد من يمنعها ويدفنها وينكرها، عندئذ تذهب العافية وتتحول، وإذا ذهبت العافية عن شيء فلا تسأل عن حاله.. يقول تعالى (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُور فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ) وإذا غادرت العافية مكانا أو بدنا أو بلداً فلا تسأل عن الحال. فكل شيء يهجر هذا المكان ويصير المكان مهجوراً مخيفاً مروعاً قد هجره كل شيء حتى الشجر مات وذبُلَ يقول الله تعالى (وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) يقول: (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً) فهذه مساكنهم خاوية ذهبت عافيتها بما كسبت أيديهم من الجحود والنكران والكفران والظلم ؛ فأخلاهم الله منها ومن كل عافية، فها هي خاوية ليس فيها منهم أحد. قد أهلكهم الله فأبادهم بظلمهم لأنفسهم وشركهم بالله وتكذيبهم لرسولهم. فها هي الديار بعد ذهاب العافية خاوية لا تصلح للسكنى ولا يعيش فيها إلا الدواب والعقارب والثعابين والحيوانات الضالة. (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) إن فيما فعلنا بهم من تدمير وإبادة وإخلائهم منها ومن الدنيا بالموت، إن في هذه تذكير وموعظة للذين يعلمون سَنَن الله في خلقه ليتقوا ربهم وعقابه، كما أن فيها تحذيرات لمن دأب على تكذيب الوحي والتقليل من شأن الشريعة والإسلام ومن اشتغل بالسخرية من التشريعات والسنن الإسلامية وعباد الله المصلين وعاش في الدنيا كأنه ابنٌ لها لن يفارقها أو لن يموت في يوم من الأيام. قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ. (مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) وقال تعالى (وكم من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين)يعني أنها طغت وتمردت في حياتها، واستخفت بالنعم ثم كفرت بها. وكم في هذه الدنيا من لم يقدر العافية فأهمل ولم يأخذ بأسباب بقائها بل قابلها باللعب والعبث والجحود وما يعجل بزوالها من بطر الحق والاستعلاء حتى على الخالق جل وعلا والمجاهرة بمعاصيه وما يسخطه الأشياء تتبين بأضدادهاإذا أردت أن تعرف نعمة العافية وقدرها فانظر إلى من ذهبت عافيتهم في أبدانهم ودينهم وعقيدتهم. اسأل المريض عن الصحة، واسأل الخائف عن الأمن، واسأل الجائع عن الأكل والشرب والشبع، واسأل الأسرة التي تمزقت وتفرقت عن الاجتماع والألفة والمودة.