11 سبتمبر 2025
تسجيلكلما ارتبط العبد المسلم بهدي القرآن الكريم وسنة النبي العظيم واتعظ بالذكريات الطاهرة، كلما كان أقرب إلى رحمة ربه ومغفرة الذنوب وخروجه من رمضان، ليقال له: هنيئا لكم الجائزة، فمن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ولقد قال الله تعالى: (يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) البقرة183، وشتان بين مسلم يرتبط قلبه بمهبط الوحي ومنازل التشريع من قرآن وسنة وعبادات ومعاملات ومسلم يتعلق قلبه هنا أو هناك خلف عرض زائل من حطام الدنيا ولهو فانٍ وضياع الأوقات فيما لا يفيد ولا ينفع ويظن أن ليالي رمضان إنما جعلت للتسلية والسهر، فالحق سبحانه جعل رمضان موسما للطاعة والقرب من الله تعالى، ففرض علينا صيامه وسن لنا قيامه وأمرنا بالصيام والقرآن والإحسان، والإنسان هو الكائن الوحيد في هذا الوجود الذي نفخ الله فيه من روحه وقد كانت هذه النفخة الروحية الإلهية هي مناط التكريم الذي حظي به الإنسان ومن أجل ذلك طلب الله سبحانه وتعالى من الملائكة أن يسجدوا لآدم تكريما له، ليس لأنه خلق من طين، ولكن لأن الله قد نفخ فيه من روحه، فكان هذا التكريم الذي جعله للإنسان سببا في استخلافه في الأرض وتعميره لها ببقاء النوع الإنساني.الإنسان أحيانا يتمنى أن ينتشر الحق، فلو تنازل قليلا وعم الحق الأرض، هذا يعد مكسبا كبيرا، لكن الله عز وجل يلفت نظر حبيبه، صلى الله عليه وسلم، إلى أنه ينبغي أن تبقى ثابتا، ولا تتزحزح عن الأحكام الشرعية قيد أنملة، لأنك إن تنازلت قليلا استمر هذا التنازل حتى أصبح القرآن رسما والإسلام اسما وهذا ما يطمح إليه الطرف الآخر، فلا يكون هذا الشهر عند المسلمين شهر المسلسلات، شهر الولائم، شهر السهرات الرمضانية، يبدأ بالأذان وطعام الإفطار وينتهي بالرقص مع طعام السحور، فالحق الذي يعلمه الصائم أن طاعة الله تعالى هي الأصل الذي جاءت به الشرائع السماوية جمعاء ودعت إليه كل الديانات السماوية على لسان الرسل والأنبياء الذين بعثهم الله عز وجل منقذين للبشرية من الظلمات إلى النور، فإن جميع الرسل والأنبياء جاءت دعوتهم متفقة على مبدأ واحد وأصل ثابت وهو الدعوة إلى الإيمان بالله عز وجل الواحد القهار، ووضعت لذلك أسس وشرائع من عبادات ومعاملات تقوم عليها سعادة البشرية، فبهذا الإيمان تستطيع هذه البشرية التي استخلفها الله تعالى في الأرض أن تعيش في سعادة وأمان ويتحقق لها الرخاء والطمأنينة، فإن بناء الرجال الذين تفخر بهم الأمة يقوم في حقيقته على الاهتمام ببناء النفس والعقل، فما قيمة جسد ليس في قلب صاحبه إيمان وعقيدة وما قيمة صورة لا يحمل صاحبها مبادئ ولا قيما، فإن استشعار المؤمن أن الجنة محفوفة بالمكاره يتطلب منه همة عالية تتناسب مع ذلك المطلب العالي للتغلب على نفسه وملذاتها، مع تنقية تلك الهمم من كل شائبة تجره إلى الفتنة والمعصية، وإنما تفاوت الناس بالهِمم لا بالصور والله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم وحتى يصل الإنسان إلى هذه المرتبة، فإن عليه أن يعمل على استقامة صلته بنفسه وبالله وبالناس وبالعالم الذي يعيش فيه، الأمر الذي يؤدي إلى أن يصبح بحق جديرا بأن يكون وكيلا عن الله في الأرض، يقيم فيها موازين العدل ويرسي دعائم الحق ويزرع الخير الذي تعود ثمرته على الآخرين وهذا ما ينبغي على هذا الوكيل أن يفعله إلى آخر نفس في حياته والعمل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما يحقق للإنسان البقاء وللأرض الإعمار والصلاح وللبشرية الأمان، فالمسلم عزيز بالإيمان، صاحب القلب المطمئن لا تزعزعه المحن ولا تؤثر فيه الفتن، بل يزرع الخير ويجني الفوائد.