15 سبتمبر 2025

تسجيل

هل نحن أمام خطة غربية جديدة لترويض الأمة الإسلامية؟

18 يونيو 2014

استفدت الأسبوع الماضي من مشاركتي في منتدى أمريكا و العالم الإسلامي بفندق ريتز بالدوحة و الذي نظمته مراكز إستراتيجية أمريكية تهتم أساسا بالعلاقات الأمريكية مع البلدان المسلمة و ترصد المتغيرات الطارئة على ما تسميه هذه المراكز (العالم الإسلامي) رسميا حتى لا تقر بوجود (أمة إسلامية) ومن هنا ظهر الاختلاف بيننا و بين هذه المراكز في تقييم حقائق التاريخ و تأثيرها على أحداث اليوم. و كنا ثلاثة مسلمين مشاركين في المنتدى أشرنا لزملائنا الأمريكان بأن عبارة (العالم) فيها هروب من استعمال المصطلح الأسلم وهو (الأمة) و أضفنا بأن (أمة الإسلام) هي الوحيدة اليوم في العالم التي ليس لها شخصية اعتبارية تربط بين أبنائها برابط العقيدة مثلما للأمة المسيحية التي يظللها البابا بظله و الأمة اليهودية حيث تعتبر دولة إسرائيل بتوراتها أن كل يهودي في العالم هو من رعاياها. و من هنا جاء التصدي الصليبي اليهودي لكل مبادرة توحد المسلمين و التي عمل الاستخراب الغربي على تدمير أخر حصونها المتمثل في الخلافة الإسلامية سنة 1924 حين تقاسمت فرنسا مع بريطانيا تركة الرجل المحتضر و ما نزال إلى اليوم نعاني التشرذم و التشتت والعجز و التخلف و التبعية.شارك في منتدى الدوحة رئيسان لدولتين نموذجيتين هما السيدان (بوجار نيشاني) رئيس جمهورية ألبانيا و (إبراهيم بوبكر كيتا) رئيس جمهورية مالي و هاتان الشخصيتان لم تستدعيا بمحض اختيار عشوائي لأن ألبانيا كانت تمثل في الستينات و السبعينات ظاهرة فريدة حين كان يحكمها الشيوعي المتعصب أنور خوجة وكانت ألبانيا محتشدا كبيرا موصدا لا ولاء لها إلا لماو تسي تونغ ثم عند إنهيار الماركسية و جدار برلين تحولت هذه البلاد إلى الاقتصاد الحر و تداول عليها حكام معتدلون يعتقدون أن الليبرالية هي الحل و يؤمنون بما تنبأ به فرنسيس فوكوياما من نهاية التاريخ! أما جمهورية مالي فهي الدولة الإفريقية الأكثر تعرضا لتهديد تسونامي (القاعدة) في طبعتها المغاربية الإسلامية و منها انطلقت أحداث 2012 في صحراء مالي ثم الهجوم على عين أميناس الجزائرية تلك الأحداث التي تشهد بأن الخطر القادم من جنوب صحراء القارة السمراء يهدد الغرب و فرنسا بالذات لا في عقر دارها بل في مستعمراتها القديمة التي استمر فيها الحضور الفرنسي بطابعه الاقتصادي و الثقافي و اللغوي و أحيانا العسكري بشكل يؤكد أن باريس ما تزال تحافظ على الرافد الإفريقي معتقدة أنه ضمان لأمنها و لتزويدها بالمعادن و الطاقة و لحمايتها من الهجرات السرية. كما شاركت في المنتدى بالطبع شخصيات مرموقة أمريكية مثل (أن باترسن) مساعدة الأمين العام لشؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأمريكية و (فيل غوردون) مستشار الرئيس باراك أوباما ومنسق الشؤون العربية و الإسلامية في البيت الأبيض كما شاركت شخصيات نافذة من بلدان عربية و مسلمة من بينها نخبة من الدولة المضيفة للمنتدى و أبرزهما رئيس حكومة قطر الشيخ عبد الله بن ناصر أل ثاني و د. خالد بن محمد العطية وزير الخارجية القطري وأثرت النقاشات في المنتدى أيضا شخصيات عربية و دولية منهم صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين ومعاذ الخطيب الرئيس السابق للتحالف السوري المعارض و د. مصطفى البرغوثي الأكاديمي الفلسطيني المناضل و غيرهم ولكل منهم رؤية و موقف ومصلحة في تبيان الدور الأمريكي الراهن أو المنتظر في مجال العلاقات الدولية وكيف تستثمر واشنطن أحداث المشرق الإسلامي وهزاته العنيفة لتخدم مصالحها الإستراتيجية الحيوية. ولعله من نافلة القول بأن نسجل التأثير الفوري و البالغ لأحداث العراق و لانتشار (داعش) في محافظة نينوى و السيطرة الكاملة و السريعة على ثاني مدن العراق الموصل ثم تكريت و التقدم المأمون لقوافل (داعش) نحو بغداد باحتلال قرى و بلدات لم يصادف فيها مقاتلوها أية مقاومة أو عراقيل. كل هذه المعطيات لا أعتقد أنها غابت خلال جلسات المنتدى عن عقول هذه النخب المشاركة و بخاصة المسؤولين الأمريكان العارفين بخفايا الملفات السرية للدبلوماسية الأمريكية و كلنا ندرك بأن العراق ما يزال تحت (الرقابة) الأمريكية اللصيقة إذا لم نقل (الاحتلال) الأمريكي الناعم. فهل إن ما نراه مذهلا في سرعة الانتشار الداعشي في العراق يراه الأمريكان عاديا أو حلقة إضافية من مسلسل لعبة الأمم القوية في المشرق الإسلامي؟ و من هنا يأتي رد الفعل الأمريكي السريع هو أيضا و الصادر يوم الجمعة 13 جوان (يونيه) بالتلويح بالتدخل العسكري الأمريكي.. وهذه المرة التدخل المرحب به من قبل إيران (سبحان مغير الأحوال!) و من نوري المالكي والمرغوب فيه من قبل هوشيار زيباري وزير الخارجية الذي سبق أن زار طهران و يقال أنه وقع معها اتفاقا غير معلن لم يعجب واشنطن و لا يخدم مصالحها على المدى البعيد! فهل تكون واشنطن أغمضت عيونها حين سجلت تحركات جيوش (داعش) من الرقة السورية أرض سد الفرات و أبار النفط إلى الموصل العراقية قلب الاقتصاد العراقي و حين قرر 32000 عسكري و أمني عراقي المتواجدين في الموصل و حولها الانسحاب بهدوء منذ وصول (داعش) دون إطلاق رصاصة واحدة؟ كانت هذه الأسرار تحوم حول المنتدى و لا تجد أجوبة شافية لكن المحاور الرسمية التي تناقش فيها الحاضرون تؤكد أن الهاجس الأكبر للولايات المتحدة في منطقتنا هو ما تسميه واشنطن بالإرهاب فالمحاور المعلنة هي : (الجلسة الأولى) مستقبل أمريكا في الشرق الأوسط و جنوب أسيا (الجلسة الثانية) هل يفوز الجهاديون بالربيع العربي؟ (الجلسة الثالثة) الأزمة في سوريا (الجلسة الرابعة) تحديد مستقبل فلسطين (الجلسة الخامسة) حوار حول استيعاب التنوع الديني (الجلسة السادسة) دور الدولة والمجتمع المدني في باكستان في التصدي للتطرف وهنا تقر واشنطن بفشل برنامجها الباكستاني منذ 11 سبتمبر 2001 و ضياع 30 مليار دولار من الإعانات لباكستان حيث عجزت الدولة المركزية عن إنهاء تواجد الحركات الإسلامية على أرضها (الجلسة السابعة) الأقليات المسلمة في أمريكا وأوروبا والبحث عن تناغم ديني بينها (الجلسة الثامنة) الانتقال الناجح في المجتمعات الإسلامية بين الشريعة و الاجتهاد (الجلسة التاسعة) إنقاذ تمبكتو وهو محور يتطرق إلى الضرر الحاصل للثقافة و المخطوطات الإسلامية جراء العنف. هذه تقريبا أهم مشاغل و هموم المنتدى وهي تعزز اعتقادنا بأن النخب الأكاديمية والاستخبارية الأمريكية التي نظمت هذا المنتدى غير راضية عن أداء الرئيس باراك أوباما في سياساته نحو الأمة الإسلامية كما صرح بذلك أستاذ العلوم السياسية الشهيرفي جامعة جورج تاون (روس هاريسن) وهي تستعد بالتالي للتمهيد لأسترتيجية جديدة تشترك فيها واشنطن مع الإتحاد الأوروبي نحو مواقف مختلفة إزاء تطور الأحداث فيما سموه العالم الإسلامي حين تزف ساعة رحيل أوباما عن البيت الأبيض و قدوم رجل أخر من حكومة الظل بمانهاتن ليعلن النفير الغربي العام لا ضد الإرهاب هذه المرة بل ربما لا قدر الله ضد الإسلام و حضارته! ألم يقل منظر العنصرية الغربية برنار لويس منذ ثلث قرن : إن الأمة المتمردة تصبح مثل الفهد المفترس فإما أن تقتله و إما أن تروضه ليتحول إلى مهرج في سرك الأمم!!