12 سبتمبر 2025
تسجيليقول الجاحظ "إن المعاني مطروحة في الطريق، يعرفها العجمي والعربي، البدوي والقروي، وإنما الشأن في إقامة الوزن وتخيّر اللفظ ". ويذهب الجاحظ إلى الصورة في المعنى، كما أشار الى أنها مطروحة في الطريق، كما لو أن الأديب لملمها وصبها في قالب من صُنعه، يداه اللتان ابتكرتا الصورة الأدبية تلك، أي أنه كوّنها برؤيته ونظرته، أجزاء منها كانت مُلقاة في طرق الحياة، وأجزاء منه ومن تخيلاته. وإذا فسرت المدرسة الرومانتيكية الصورة " أنها إبداع ذهني يعتمد أساساً على الخيال، والعقل وحده هو الذي يدرك علاقاتها " فقد قال المحدثون انها " امتزاج المعنى والألفاظ والخيال كلها ". لعل تعريف الصورة الأدبية يختلف من مدرسة إلى أخرى، تتباين فيه الآراء، وتختلف فيه التفاسير، تماماً كما تتباين الآراء والرؤى في تحليل الصورة ذاتها. إن الصورة الأدبية عندما تُصاغ في النص، فإننا نذعن من باب الإيمان بالموهبة الأدبية، أنها صورة ذهنية مكتملة في رأس الكاتب أو الشاعر، حتى لو أنها لم تكتمل في ذهن المتلقي. صياغة الفكرة على هيئة صورة، عادة ما تأتي دون شرح، وذلك يمنح النقاد الأفق في التأويل والتفسير، إن شخصا يراها صورة باهتة خالية من المعنى، قد يراها آخر صورة متخمة بالمعاني، ويراها آخر بنصف رؤية ونصف معنى. لعل انتصاف الصورة لدى متلقٍ ما، تواجهها صورة كاملة مختلفة لذات النص، وكل ذلك لا ينفي اكتمال الصورة الأدبية في ذهن الأديب، الصانع للنص الأدبي، والأب الروحي للمعنى، فنحن في لحظة تلقيها، نجهل الأدوات التي استخدمها الكاتب، وأيضا مدركات الحس التي زجت به إلى تشكيلها. يقول الدكتور محمد عمر الطالب في مقالته في مجلة آفاق الثقافة والتراث "ان الصورة الفنية لا تستمد حيويتها وفاعليتها من تمثيل محض للواقع". أي أن محاولة تفسيرها، كما هي معانيها على أرض الواقع يجعل منها صياغة مبهمة، لا تمت للمعنى بأي صلة، ولعل الشعر والنصوص الأدبية أرحب وأوسع من أن تسقط على فهم المتلقي كما هي تماماً في قريحة الشاعر أو الكاتب. قد نسميها " الديمقراطية الأدبية " أو التسليم بأن كل نص أدبي أكان نثرا أم شعرا، يحتمل أكثر من تأويل، وأنه وُلد من رحم الإبداع بعد أن نما واكتمل في الصورة والمعنى لدى الكاتب نفسه، حتى وإن لم تتراءى لنا الصورة جلية، قد تُطابقها آلاف الصور عند آلاف المتلقين لذات الكتلة الأدبية، إن المحاكمة التي لا يقبلها الحرف ولا تستسيغها الكلمة، أن تتم مُساءلة الأديب في نصه، والطلب المجحف في تفسيره، إنها بحد ذاتها "جريمة أدبية".