11 سبتمبر 2025

تسجيل

ابن آدم معروض في مكتبة

18 مايو 2021

مع كبسة و"حبسة" الكورونا لاحظت السعادة في وجوه عيالي وهم يعيدون اكتشافي كأب بتقدير ما بين فوق الوسط وجيد، ويتآنسون معي، ولكن ضايقني أن معظم مواد الأنس العائلي صارت عن الكورونا، فهذا يوافينا بموجز أنباء تطبيق احتراز كل ساعتين وذاك يصيح: لا حولي.. في الهند الكورونا تقتل شخصا كل دقيقتين (لا حولي كلمتان تقومان عند السودانيين مقام "لا حول ولا قوة إلا بالله"، وهكذا يعترف السوداني بأنه بلا حول أو قوة) ثم تتولى إفاداتهم عن الكورونا، فأصدرت مرسوما بحجر ومنع الحديث عن الكورونا وسنين الكورونا، فطفش العيال من حولي وبقيت مثل السيف وحدي، بلا أنيس أو جليس. في الدول الاسكندنافية في أقصى شمال أوروبا، تستطيع ان تدخل بعض المكتبات وتستعير آدميا بقولك: أريد ان "أستلف" رجل شرطة/ مربية أطفال/ طالب مطرود من مدرسته لأنه مشاغب/ مدمن مخدرات، ثم انتقلت التجربة الى منطقة فينشلي في شمال لندن، حيث أسس روني أبرقيل ما أسماه بالمكتبة الحية: تسجل نفسك في المكتبة لتُعار أو تستعير، ليس للتسلية ولكن ليجمع المستعير من المُعار معلومات وبيانات لإنجاز دراسة أو بحث ما، فإذا استعارك شخص من أحد تلك البلدان فإنه يقضي الوقت يسألك عن أفكارك ومعتقداتك وتجاربك، إلخ: لماذا انتم عدوانيون يا رجال الشرطة؟ ما الممتع في تعاطي عقار يفقدك العقل مؤقتا؟ لماذا لا تكون طالبا ابن ناس تحترم معلميك ولا تعتدي على زملائك؟ لماذا قاطعت أفراد عائلتك؟ وهكذا يحصل المستعير على معلومات من مصدر صاحب تجربة! لأنك لا تستعير شخصا من طرف بل شخصا ذا صلة بالموضوع الذي تريد كتابة بحث حوله. أحد رواد المكتبة اللندنية "الحية" طلب استعارة رجل مسلم، وطلب منه صاحب المكتبة ان يضع على الورق تصورا للشخصية التي يرغب في استعارتها فكتب: ذو تكشيرة أي عابس الملامح، وله لحية تسد النفس، وكلام يخلخل المفاصل، ثقيل الظل وجلف وعدواني، ثم جاءت لحظة الحقيقة، والتقى صاحبنا برجل مسلم استعاره لنصف ساعة وصار يجدد مدة الاستعارة حتى امتدت لتسع ساعات، واكتشف صاحبنا انه لم يكن يعرف شيئا البتة عن الإسلام، ولا ان المسلمين يعترفون بالمسيح والإنجيل، وأنه لا يأتي اسم عيسى على ألسنتهم الا مقرونا بـ"عليه السلام"، واكتشف ان المسلمين مرحون ويحفظون العديد من النكات وأنهم يفهمون عن الثقافة الغربية أضعاف ما يعرفه "أجعص" مثقف غربي عن الإسلام، وتعقيبا على ذلك يقول روني أبرقيل أن الكثير من حوادث العنف بين الناس تنشأ بسب سوء وعدم التفهُّم (وليس فقط التفاهم). كتبت أكثر من مرة عن رد فعلي الهستيري عندما علمت أثناء دراستي انتاج البرامج التلفزيونية في بريطانيا، ان من صار أقرب أساتذتي الى قلبي والذي تم تكليفه ليشرف على "مشروعي" للتخرج كان يهوديا، وشككت في سلوكه نحوي في بادئ الأمر: الملعون يعاملني بلطف واحترام لأنه يريد استمالتي، وربما ليعطي الانطباع بأن اليهود قوم ودودون ومهذبون. وصارحت استاذا بريطانيا في المعهد كان معروفا بتعاطفه مع شعوب أفريقيا وآسيا ويكره إسرائيل ( ولكن دون أن يحب عمرو موسى) وقلت له: ابعدني عن هذا اليهودي الخسيس، فغضب استاذي وقال: لو كان 10% من العرب يدافعون عن حقوق الفلسطينيين كما يدافع عنهم هذا اليهودي الذي وصفته بالخسة لقامت دولة فلسطين منذ نصف قرن، وذهبت الى اليهودي الذي بادرني بقوله: عندما أحسست بأنك "انكمشت" تجاهي أدركت أنك اكتشفت انني يهودي وهو أمر لا أحرص على الإعلان عنه، لأنني يهودي فقط بحكم أنني من أبوين يهوديين، ثم أخرج من جيبه بطاقة: عضو مؤسس بالجمعية العربية البريطانية للدفاع عن فلسطين (وقد عرضه ذلك للكثير من التجريح والوصم بالخيانة وبأن العرب اشتروه) تخيل لو أن أحدهم أنشأ مكتبة لاستعارة البشر في دولة عربية وعرض فيها خيرة الأدباء والنقاد والمفكرين والعلماء.. كانوا سيجلسون على "الرف" ويبني العنكبوت خيوطه من حولهم لأن كل زبون للمكتبة سيأتي: عندكم تامر حسني؟ بنت عجرم؟ بلاش.. طيب واحدة من الصنف الإفرنجي تتكلم عربي. وأعود إلى عيالي وأقول لهم إما ان تطبعوا معي العلاقات دون أن تأتوا على ذكر الكورونا، وإما سأستعير أنيسا لا يحدثني حتى عن المكرونة أو الماكرينا أو الرئيس الفرنسي ماكرون. [email protected]