16 سبتمبر 2025
تسجيلمن أكثر المظاهر شيوعاً وانتشاراً في رمضان ما نراه من مظاهرِ الإسراف والتبذير في الطعام والشراب على مَوائد المسلمين خلال هذا الشهر المبارك. وتُعد صفة الإسراف من الصفات المذمومة التي نهى الإسلام عنها، حيث قال الله تعالى: {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}[الأنعام: 141]. وعلى الرغم من قُبح هذه الصفة فإنه ما أن يبدأ رمضان حتى نجد أن كمية الطعام التي يتم إلقاؤها في القمامة أكبر من أي فترة أخرى من العام، ومع الأسف الشديد تبدو هذه المظاهر واضحة جداً في الدول العربية، تبعاً لذلك تُسجَّل منطقة الشرق الأوسط بأنها من أكثر الدول إهداراً للطعام. وهذا الأمر وإن دلَّ على شيء فهو يدل على مدى الإسراف والتبذير والمبالغة في سفرة رمضان، بمعنى أن الطعام المقدَّم يفوق قدرة الصائم على تناوله، وهذا ما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فعن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِن بَطْنِه، بِحَسَبِ ابْنِ آدَمَ أَكَلَاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَه، فَإنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فثُلُثٌ لطَعَامِهِ، وثُلُثٌ لشَرَابِه، وثُلُثٌ لنَفَسِه)) [رواه الترمذي]. فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكَرَ في الحديث أنَّ اللقيماتِ تكْفِي لحاجَةِ الجسمِ، فلا تسقط قُوَّتُه ولا تضعف معها، فإن تجاوزها فليأكل في ثلث بطنه، ويدع الثلث الآخر للماء، والثالث للنَّفَس، وهذا أنفع ما للبدن وللقلب. وجاءت الأدلة في الحث على التقليل من الأكل كل الأوقات؛ ففي الصحيحين من حديث أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المُؤمِنُ يأكُلُ في مِعًى واحِدٍ، والكافِرُ يأكُلُ في سَبْعَةِ أمْعَاءَ)). والمراد أن المؤمن يأكل بأدب الشرع فيأكل في مِعًى واحد، والكافر يأكل بمقتَضَى الشهوةِ والشَّرَه والنَّهَم، فيأكل في سبعة أمعاء، فالمؤمن ينوي مع التقليل من الأكل والاكتفاء ببعض الطعام الإيثارَ بالزائدِ عن حاجته لمن يحتاجُه راجياً الأجرَ في ذلك، فالحكمة الربانية من الصيام هي شعور المسلمين بحاجة الضعفاء والمساكين، وليس المزيد من الإسراف والتبذير فيما لا فائدة منه؛ لذا فإنَّ الاهتمام بالمأكولات والمشروبات أمر يهدِّد استفادة المسلمين من حِكمة الصيام؛ فيجب أن نعقل جميعا أنَّ الله فرض صيام رمضان ليتعوَّد المسلم على الصَّبر وقوَّة التحمُّل؛ حتى يكون ضابطاً لنفسه، قامعاً لشهوته، متَّقياً لربِّه متفقداً لحال إخوانه من الفقراء وأهل الحاجات. فاللهم اجعلنا من عبادك الصابرين ولحِكَم هذا الشهر العظيم عاقلين مهتدين يا رب العالمين.