12 سبتمبر 2025
تسجيل"مادامت فلسطين تحت الاحتلال الصهيوني. فإن النكبة ما زالت مستمرة بل متوغلة في جذورنا. تصاحبنا في ليلنا ونهارنا. تسكن قلوبنا وعقولنا وأجسادنا وإرادتنا المكبلة بقيود عديدة. أغلبها نحن الذين صنعناه".أقول هذا الكلام. بمناسبة الذكرى السابعة والستين لنكبة فلسطين والتي مرت على الأمة. يوم الجمعة الفائت – الخامس عشر من مايو- وهو اليوم الذي اكتمل فيه الاحتلال الصهيوني لأراضي فلسطين. وإعلان ما يسمى بدولة إسرائيل العنصرية الاستعمارية الاستيطانية. على أرض شعب عربي اقتلع من جذوره ومدنه وقراه وبياراته. وحقوله وزيتونه وسهوله اليانعة الخضرة. بعد حرب طاحنة استخدمت فيها العناصر الإرهابية الصهيونية كل صنوف الأسلحة. مدعومة من الغرب وبالذات بريطانيا العظمى. السبب الرئيسي لما جرى منذ أن منح وزير خارجيتها بلفور. وعده المشؤوم لليهود في 1917 بإقامة وطن قومي لهم في أرض فلسطين. ثم توفير كل سبل الدعم والإسناد لعصابات بني صهيوني للاستعداد لإعلان كيانهم. ثم التخلي فجأة عن الانتداب وترك حالة من الفراغ استغلتها هذه العصابات لفرض مشروعها الاستيطاني الاستعماري العنصري. واستخدام منهجية المذابح لترويع الآمنين وإجبار المواطنين على مغادرة الوطن وهو ما تسبب في خلق حالة اللاجئين حتى اليوم.بالطبع لم يتوقف الأمر على الدعم البريطاني فحسب للعصابات الصهيونية في هذه المرحلة. وإن كان هو الأكثر حيوية. فقد كان ثمة دعم واضح. بالذات على الصعيد السياسي من قبل الولايات المتحدة. وحتى الاتحاد السوفيتي. وهما أول من اعترف بدولة الكيان المزعوم في الخامس العشر من مايو 1948.وإذا توقفنا عند الدور العربي في تعميق النكبة. فإن الأمر ينطوي على مرارة بالغة. وقد تابعت بعض الدراسات والمذكرات في الآونة الأخيرة في هذا الشأن. وما لفت انتباهي أن توجه بعض الدول العربية للمشاركة في العمليات العسكرية لمواجهة عصابات قطعان بني صهيون في فلسطين. لم يتأسس على أي إستراتيجية عسكرية مركزية ومخططات مشتركة. كان أشبه بالقرار الانفعالي غير المدروس. وغير الملم بأي معطيات على الأرض فضلا عن هشاشة المهارات القتالية للجيوش العربية. والتي كانت تخضع في أغلبها لهيمنة الدول الاستعمارية. التي تسببت أساسا في زرع الكيان الصهيوني.. فعلى سبيل المثال. فإن قائد الجيش العربي الأردني كان جنرالا إنجليزيا- جلوب باشا- ومن ثم فإن الأداء القتالي لهذه الجيوش. لم يثمر عن تحقيق انتصارات حقيقية وحاسمة. وإن كانت هناك بطولات فردية لبعض الوحدات أو الكتائب العسكرية. مثلما صنعته الوحدة المصرية التي كان جمال عبد الناصر رئيس أركانها في منطقة الفالوجة. والتي صمدت أمام العصابات الصهيونية لفترة طويلة ولم تستسلم لها. والمؤكد أن أوضاع الجيش المصري في هذه الحرب بالذات. وغيرها من الجيوش العربية. هي التي صاغت بدايات تفكير عبد الناصر في ضرورة تغيير وضعية مصر الداخلية. وإعادة بنائها سياسيا وعسكريا واقتصاديا. لتكون قوة قادرة على مواجهة العدوان والكيان المزروع في المنطقة. وكانت تلك الشرارة الأولى باتجاه صياغة مشروع ثورة الثالث والعشرين من يوليو في العام 1952. والتي جعلت القضية الفلسطينية وتحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني على رأس جدول أعمالها القومي والإقليمي.بالطبع أسباب النكبة متعددة ومتنوعة. وتحتاج إلى إعادة قراءة للتعلم منها وتجاوزها. وللأسف ما حدث على مدى ما يقترب من السبعة عقود ينبئ بأن ليس ثمة ما تعلمه العرب والفلسطينيون. فغياب الإستراتيجية الموحدة للتعامل مع إشكالية الاحتلال والتي تجاوزت نتائج نكبة الــ 1948. إلى نتائج نكسة الــ1967 حيث تمددت الأراضي. التي احتلها قطعان بني صهيون وعصاباتهم ما زال قائما للأسف... الأمر الذي ما فتئ يدفع قادة هذه العصابات إلى الاستمرار.. في غيها ومخططاتها التوسعية ولامبالاتها بالرقم الفلسطيني.. أولا ثم بالرقم العربي في معادلة الصراع. بل أكاد أقول: إن هذين الرقمين غائبان تماما. عن تفكير النخبة الصهيونية سواء على المستوى السياسي أو المستوى العسكري.. وهو ما يجعلها. خاصة بنيامين نتنياهو والذي شكل رابع حكومة له شديدة التطرف قبل أيام وصفت بأنها حكومة حرب وليست حكومة سلام. بالإعلان عن المزيد من بناء الوحدات الاستيطانية في القدس والضفة الغربية رغم الرفض الدولي والإقليمي لذلك بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي. والإبقاء على سياسة القبضة الحديدية والقمعية في المناطق الخاضعة للاحتلال. مما جعل واحدا من عتاة الداعمين للكيان. وهو الرئيس باراك أوباما في حديثه لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية قبل أيام. لأن يصف هذا الاحتلال بالإذلال الممارس ضد الفلسطينيين والذي يستوجب إنهاؤه. وإن كنت أدرك أنه يقول هذا الكلام لصحيفة تخاطب الرأي العام العربي. بينما لن يتجاوز الأمر التصريح إلى الفعل. بمعنى أن يمارس الضغوط على حكومة نتنياهو لتكف عن الاحتلال وتقبل بالانسحاب من الأراضي المحتلة لتتم ترجمة الطروحات الأمريكية الخاصة بإقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة إلى جانب دولة الكيان. وفق ما يطلق عليه حل الدولتين. والتي قبلها الفلسطينيون والعرب. لأنه ليس ثمة خيارات بديلة أمامهم في ظل انكفائهم عن القضية الفلسطينية فضلا عن بزوغ أزمات وملفات ساخنة في المنطقة العربية. دفعت هذه القضية إلى التراجع عن دائرة الصدارة إلى ذيل جدول أعمال الاهتمامات العربية. رغم الإعلان المستمر بأنها القضية المركزية والأولى للعرب.وثمة مفارقة كثيرا ما تخطر على بالي وأنا أتابع الشأن العربي سواء على الصعيد المهني أو كمواطن. وأتساءل: ألا يمكن أن تحدث مقاربة عربية جماعية تتسم بالحزم والجرأة.. مثلما جرى مع تشكيل التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن.. وأقول: هل يأتي يوم يشكل فيه العرب تحالفا واسعا. يضم الدول الإسلامية المؤثرة والتي تمتلك كل أشكال القوة الحديثة لاستعادة الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولا أحلم في هذه المرحلة بكل فلسطين من البحر إلى النهر. فذلك أمر متروك للأجيال القادمة. قد يكون قدرا من الرومانسية يتملكني. ولكنه حلم هو بالتأكيد ليس قابلا للتطبيق. فقد تحقق مثله في زمن صلاح الدين الأيوبي. والذي استعاد القدس وفلسطين بعد احتلال صليبي استمر زهاء 150 عاما. بعد أن توحدت إمكانات مصر والشام. وقبل ذلك في زمن حاكم مصر قطز عندما أوقف التمدد المغولي في المنطقة بنفس منهجية توحيد قدرات كل من القوتين.