11 سبتمبر 2025

تسجيل

الأوتار الطائفية... والعزف الدموي

18 مايو 2013

التاريخ الإسلامي عقب الخلافة الراشدة شهد كثيرا من المتغيرات التي احتشدت باجتهادات فقهية وسياسية من قبيل أن اختلاف الأمة رحمة، وقد ثبت أن الاختلاف ليس رحمة من واقع تفجر الأوضاع منذ تاريخ بعيد وظهور نعرات طائفية وعنصرية مقيتة ولا تليق بسماحة الدين وفرص التعايش في ظلاله بأمن وسلام وتآخٍ دعا إليه الرسول الكريم وحث عليه وشدد في طلبه، ولكن ذلك لم يحدث بذات الصورة النموذجية التي سادت دولة المدينة التي يفترض أنها أرست دعائم الأخوة والتسامح والانصهار الفكري في بوتقة الإسلام الجامعة التي تذوب فيها الخلافات ولا تصل مرحلة الاختلاف، لأن القواسم المشتركة كبيرة وعصيّة على التفتت. هناك اختلافات بالطبع ظل يتوارثها الفكر الإسلامي وتنتقل عبر التاريخ، ولكنها في قضايا ومسائل فرعية بعيدة عن الثوابت والأصول، والخروج عن هذا السياق ينطوي على انحراف عقدي، هو الذي يعزز أفكار التطرف والتشدد والاستعصام بالمذاهب وإقصاء بعضها البعض، وذلك للأسف هو الفخ الذي وقع فيه المسلمون عبر التاريخ، وظهرت كيانات عقدية إضافية أقل ما توصف به أنها شطحت في رؤيتها وعمقها الديني، وأنتجت فكرا مختلفا عن السائد الذي تتراوح فيه اختلافات المذاهب الرئيسية، ولعب العامل السياسي والاجتماعي دورا سلبيا في إذكاء تلك الأفكار، فوصلت الأمة إلى الحالة الراهنة من التشتت والانهيار الفكري والطائفي. بالنظر إلى الحالة العراقية التي تتضح فيها الصورة المذهبية في إطار المجتمع وسياسته والشكل الكلي للدولة، تبدو المسألة في غاية التأزم والتراجع، فهناك انقسامات حادة بين السنة والشيعة ألغت الدولة، وأظهرت تباينات ومفارقات غريبة لا تنسجم مع فكرة التعايش والمواطنة والأخوة الإسلامية، وذلك لأن العامل السياسي السلبي أسهم في إنتاج مثل تلك المفارقات غير الصحية، وجعلت الاختلافات تتحول إلى خلافات ترفض أي تقارب أو احترام العقائد الشائعة لأفراد المجتمع، فكان الدم والقتل وانتهاك الأعراض وغياب الأمن والاستقرار والطمأنينة، وهي حالة لا تستقيم مع المعنى الاجتماعي والوطنية وروح الدين. إن المصالح السياسية والعمل على تحقيق الكسب فيها جعل الأيادي السياسية تعزف على أوتار الطائفية للاستمرار في السلطة وتحقيق الغايات، فلا تبالي بالضحايا واستخدام المتفجرات لإزهاق الأرواح البريئة، فالاختلاف السني الشيعي عند النظر إليه بالمفهوم الديني والإنساني لا يفترض أن يصل إلى أن يفجر الشيعي السني أو العكس، ولكن للأسف، غاب ضمير الحكومة والسلطة ففرقت المجتمع وغرست نصل الطائفية في جسده وأذكت الحقد بين أفراده وأشعلت نار الطائفية فيه، فكان الحريق الذي لن يطفئه إلا التعايش وفقا لأسس الإسلام في الأخوة واحترام الآخر ورأيه.