12 سبتمبر 2025

تسجيل

مقومات تدشين الاتحاد الخليجي

18 مايو 2012

تعرضت فكرة إقامة اتحاد خليجي يضم كافة دولة مجلس التعاون لانتقادات شديدة من جانب دعاة الانفصال أو ما يطلق عليهم "الانفصاليين"، هذا جانب.. أما الجانب الآخر، فقد تعرضت وبصورة أعنف فكرة إقامة اتحاد يضم السعودية والبحرين تحديدا ليكون هذا الاتحاد نواة للاتحاد الخليجي الأكبر والأوسع من نوعه. وسمعنا كثيرا من الافتراءات على نظامي البلدين اللذين يسعيان إلى مصلحة بلديهما، وما قاله المعارضون في العلن لم يكن سوى نذر قليل مما لوكت به الألسنة في الخفاء. في حين لم نسمع معارضا عربيا أو خليجيا يرد على افتراءات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد عندما وصف بعض حكام المنطقة بإطالة اللسان على جماهير الشعب الإيراني الذي يسعى فقط للدفاع عن حقه وإحقاق العدالة والمصداقية.. فنجاد عندما استنكر أفعال وأقوال بعض الحكام ولم يتوقف عن إطلاق النيران في كل الاتجاهات وخاصة بشأن حكام دول مجلس التعاون، لم نسمع لهؤلاء صوتا.. في حين وصل التطاول الإيراني مداه عندما وصفنا بأننا نعمل ضد المبادئ الإسلامية وأننا شعوب عديمة الثقافة ومعادية للإسلام بل وللإنسانية نفسها، وأن بعض حكامنا يسارعون في شراء أسلحة بعشرات المليارات من الدولارات ممن وصفهم نجاد بـ "أسياد إسرائيل" في إشارة صريحة للولايات المتحدة الأمريكية. وبينما يلصق نجاد بنا كل هذه الافتراءات، نرى السلطات الإيرانية التي تتشدق بحرية العقيدة والإبداع تصادر 250 كتابا واعتبرتها كتبا ضالة، بعد أن جمعتها من معرض طهران للكتاب، بحجة أن بعض تلك الكتب تنشر الوهابية وأخرى تزور الحقائق حول الخليج "الفارسي" حسب تسمية السلطات الإيرانية وكتبا أخرى تروج لأفكار غير أخلاقية. ومن المؤسف أيضاً أننا لم نسمع أبواق المعارضة توجه ألسنتها إلى الجارة إيران وتتهمها بكبت الحريات الثقافية والدينية، في حين أن السلطات الإيرانية منعت مباشرة مشاركة دور النشر لأهل السنة، وقام الأمن الإيراني بجمع أعداد كبيرة من الكتب في المعرض خاصة الكتب التي تتعلق بالقوميات غير الفارسية وبتاريخ الخليج العربي والكتب الإسلامية. نعود إلى موضوع الاتحاد الخليجي من منظوره الأوسع والاتحاد السعودي – البحريني من منظوره الثنائي وإن لم يخرج أيضاً عن فكرة الوحدة.. ولتوضيح الصورة أكثر فأكثر، ربما نرجع إلى ما كتبه المفكر الكويتي المرموق محمد الرميحي عندما اقترب من المشكلة وبلغها بصورة لا لبس فيها وقال إن المعركة القادمة في الشرق الأوسط ستكون مركزة على دول الخليج، لأنها ولأسباب كثيرة هي الخاصرة اللينة في وضعها الحالي، والممكن التأثير فيها لقلب أوراق اللعبة في المنطقة. ومن أجل التغلب على هذه الإشكالية وتقوية كيان المنطقة، ليس أمامها سوى طرح إستراتيجية مختلفة لمواجهة كل تلك التحديات غير المسبوقة. هذه الإستراتيجية تتلخص في تدشين كيان سياسي موحد ليكون قادرا على مواجهة التحديات، هو " اتحاد دول الخليج" على أن يكون بديلا لمجلس التعاون. ولم يناور المفكر الكويتي في وصف أهم التحديات، فهي تكمن أساسا في التطلع الإيراني لتحقيق الحلم القومي القديم والمتجدد، وهو نشر النفوذ الإيراني على المنطقة، وإدخال الجميع تحت مظلة إيران السياسية والعسكرية، وهو طموح يستكمل من الوجهة الإيرانية في الفترة التاريخية الحالية ما بدأ فيه بالفعل، حيث تحقق النفوذ الإيراني في كل من سوريا والعراق وجزء واسع من لبنان، مع توسع في أماكن أخرى ربما بعضها قريب من بعض عواصم الربيع. ويحذر محمد الرميحي في رؤيته المهمة من إغفال الرغبة الإيرانية في توسيع نفوذها وإمكاناتها في المنطقة " فإن الجميع قد يكون مصابا بتعتيم سياسي تغلب عليه التمنيات ويُخدر بالوعود وتسري في عروقه فكرة خاطئة، بأن ما صح في الماضي قد يصح في اللاحق، وكل ذلك يمثل نظرة قاصرة استراتيجيا تفرط في مصالح الشعوب التي قد تجد نفسها مغلوبة أو مضطرة لمسايرة القوة الصاعدة من طهران". ومن التحليل إلى الواقع.. فإننا نرى أن كلام الرميحي لم يكن بعيدا عن أجواء وأروقة القمة الخليجية التشاورية التي استضافتها الرياض الأسبوع الماضي، حتى وإن فرح المعارضون وصفقوا بعدها لعدم إعلانها فكرة الاتحاد المرتقب، فهم لم يقرأوا جيدا بين السطور ما جاء في البيان الختامي للقمة، حتى إنهم لم يحاولوا قراءته القراءة الصحيحة بتأن، فقط استعجلوا في الحكم ليأتوا بنتيجة تقترب من أهوائهم وميولهم وأفكارهم الضيقة.. وهي بالقطع أفكار تمليها عليهم انتماءاتهم لأسيادهم قي قم وطهران. فلو كان هؤلاء على أقل قدر من علم التحليل السياسي لاكتشفوا على الفور أن فكرة تدشين الاتحاد الخليجي لم تفشل أو تهملها قمة الرياض، وإنما وضعت في مكانها الصحيح "أوصى قادة دول مجلس التعاون الخليجي في ختام قمتهم التشاورية في الرياض باستكمال دراسة مقترحات الاتحاد الخليجي لمناقشتها في قمة استثنائية تعقد في العاصمة السعودية في وقت لم يتم تحديده إلا أنه سيكون قبل قمة البحرين التي لا يفصلها عنها سوى ستة شهور". ولهؤلاء الذين لا يقرأون ومن ثم لا يستوعبون، استكمل وزير الخارجية السعودي الأمير الفيصل خلال مؤتمر صحفي الرؤية تصريحا ليصحح مفاهيم البعض الخاطئة "انطلاقا من الأهمية الكبيرة للموضوع والحرص على استكمال كافة جوانبه بشكل متأن.. يقوم المجلس الوزاري باستكمال دراسة تقرير الهيئة المتخصصة ورفع التوصيات إلى قمة تعقد في الرياض" في إشارة إلى الاتحاد الخليجي وهو أبرز ملفات قمة الرياض في ظل التهديدات التي تواجهها المنطقة. فكرة الاتحاد ستبقي، وسيبقى معها الأمل.. وللموضوع بقية.