11 سبتمبر 2025

تسجيل

التأمل في الكائنات الحية (3-3)

18 أبريل 2022

كتبت في المقالين السابقين عن التأمل في الكائنات الحية كالنباتات والحيوانات، وفي هذا المقال سنتحدث عن التأمل لدى الإنسان فهو محور التفكير والتأمل. فالتفكير لا يقتضي أن يعتزل الإنسان المجتمع ويقطع علاقاته بالناس ثم ينسحب في غرفة خالية ويضع رأسه بين يديه، فهؤلاء الناس يصنعون من التفكير العميق قضية صعبة جدا، وإن القضية سمة خاصة بالفلاسفة مع أنها أبسط مما ذكر، لأن الله سبحانه وتعالى يدعو جميع عباده ليتفكروا ويتدبروا، خاصة في آيات القرآن الكريم الذي أنزلها الله لهذا الغرض. يقول تعالى في سورة ص الآية 29 ((كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ إِلَيْكَ مُبَٰرَكٌ لِّيَدَّبَّرُوٓاْ ءَايَٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلْأَلْبَٰبِ)) بمعنى ليتفكروا في آياته ويعملوا بهداياته ودلالاته وليتذكر أصحاب العقول السليمة ما كلفهم الله به، فالمهم من الأمر كله أن يستطيع الإنسان تطوير ملكة التفكيرعنده وتعميقها أكثر فأكثر بالتفكر في آيات الله سبحانه وتعالى. فالإنسان الذي لا يبذل جهده في التفكير والتدبر والتذكر بآيات الله، عزوجل، يعيش في حاله دائمة من الغفلة التي يعيشونها، أولئك الذين لا يتفكرون بما توحيه معنى كلمة الغفلة من التجاهل والانغماس في الشهوات والوقوع في الإثم والاستخفاف والإهمال هي نتيجة تجاهلهم وتناسيهم للغاية من خلقهم. وقال تعالى في سورة البقرة، آيه 164 ((إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱخْتِلَٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِى تَجْرِى فِى ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍۢ فَأَحْيَا بِهِ ٱلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍۢ وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ لَءَايَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَعْقِلُونَ)). فهذه الحقائق بالآيات الكريمة لن يستطيع الناس أن ينسوا خطورة الوضع الذي يعيشون فيه، ولذلك يبدؤون بالتساؤلات كيف يمكن للناس أن يعيشوا في هذا المحيط مع كل ما يكتنفه من مخاطر بما يحتويه في الكون، ومع ذلك التمسك بالحياة عليها، وذلك لأنهم يدركون حين التأمل والتفكير أن هناك نظاما متكاملا قد أخذ حيزاً في الوجود. فرغم الخطر الكامن داخل الكوكب الذي نعيش فيه كمثال هبوب الرياح العاصفة، أوانقطاع الأمطار أو فيضان المياه من البحار والأودية أو أي خلل يحدث في السماء والأرض من تعاقب الليل والنهار، إلا أن هناك قدرة الله، عز وجل، على إيجاد التوازن الدقيق في الكون بأكمله، كما يمنع الخطر والضرر من الإلحاق بالناس، إلا في ظروف استثنائية من المعصية والظلم والاعتبار والحكمة، ومن هذا الإدراك يجعل الإنسان يعلم ويفهم أن الأرض ومن عليها من مخلوقات، إنما تستمد وجودها وتعيش بأمان بإرادة الله تعالى وحده الذي أوجد هذا النظام المتكامل في الحياة. فالحقائق جميعها التي يعلمنا إياها الدين الإسلامي هي أمرعظيم وخطير، لذلك حذّر القرآن الكريم أن نكون من الغافلين في قوله تعالى بسورة الأعراف آية 205 ((وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِى نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ بِٱلْغُدُوِّ وَٱلْءَاصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ ٱلْغَٰفِلِينَ))، وقال بسورة مريم آية 39 ((وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِىَ ٱلْأَمْرُ وَهُمْ فِى غَفْلَةٍۢ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)) وبين الله تعالى زيغ الذين يتبعون ما ألفوا عليه آباءهم اتباعا أعمى دون أن يفكروا بما يحمله التقليد من ضلال وأن عقلية هؤلاء البشر تظهر بوضوح من خلال الآيات التالية في سورة المؤمنون آيات 84-90 ((قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ* قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ* قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ))، معنى تسحرون في الآية الكريمة تعني حالة من الجمود العقلي تسيطر بشكل كامل على بعض الناس فيغشى بصر من يصاب بها ويتصرف وكأنه لا يرى الحقائق أمام عينيه، وتضعف قدرته على التمييز والحكم على الأمور ويصبح غير قادر على إدراك الحقائق المبسطة كما يغفل عما يدور حوله من أمور غير اعتيادية وتخفى عنه دقائق الأحداث، وهذا ما يطلق عليه الجمود العقلي هو الذي أدى إلى أن يعيش البشر منذ آلاف السنين حياة الغفلة بعيدين كليا عن التفكير والتدبر والاعتبار. أخيرا: - نقول للذين لا يؤدي بهم التفكير والتأمل الى إنقاذ أنفسهم من هذا السحر، وبالتالي من حياة الغفلة، سوف يفهمون الحقائق عندما يرونها رؤيا العين بعد الموت. قال تعالى في سورة ق آية 22 ((لَّقَدْ كُنتَ فِى غَفْلَةٍۢ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ)). معنى الآية إن البصر الذي تكتنفه الغشاوة في الحياة الدنيا بسبب عدم التفكير سيكون حادا عندما يحاسب الإنسان في الآخرة بعد الموت. ** ولنا لقاء قادم بالمقالات بعد إجازة عيد الفطر وكل عام وأنتم بخير مقدما. خبيرة بيولوجية ومدربة معتمدة Amna_almalki2hotmail.com