16 سبتمبر 2025
تسجيلمن الخصال الحميدة التي امتدحها الإسلام وحثنا عليها عُلو الهِمَّة، وهي من السجايا العظيمة التي ينبغي على كل مسلم التحلي بها، فعُلو الهِمَّة يقوي الإرادة ويرفع العزيمة ويجلب الخيرات بإذن الله، فلا ترى عالمًا باحثًا متبحرًا في ميادين العلم والعمل، ولا مزاحمًا على أبواب الفضائل وفعل الخير، ولا باسطًا يدي العون لإخوانه في مهمات القضايا وشدائد الأمور إلا أصحابَ الهِمَم العالية، فهؤلاء هم عتاد الأمة وخيارها، وبإذن الله نصرها القادم المنتظر لأنهم أحبوا مراد الله ، ففي مستدرك الحاكم يقول رسولنا الكريم : إِنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، وَيُحِبُّ مَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا. صححه الألباني في السلسلة الصحيحة. فالتحلي بعُلو الهِمَّة يسلب منهم التعلق بسفاسف الأمور وبريق المال والأعمال، وينقيهم من شعور الذل والهوان والتملق والمداهنة. وقد جاءت نصوص كثيرة من كتاب الله تعالى تحثُّ على استنهاض الهمم، وطلب معالي الأمور، والتسابق في الخيرات؛ قال الله تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [الحديد: 21]. وقال سبحانه: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]. وقال سبحانه: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148]. وجاءت السنة المطهرة تُجلِّي لنا مقاصد القرآن، وتحثُّنا على عُلوِّ الهِمَم وعدم الركون إلى العجز؛ فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ)). [رواه مسلم] فينبغي أن يكون المؤمن قويًّا في كل شيء، ذا همة عالية في أمر دينه وأمور دنياه؛ لعموم الحديث الشريف، فالمؤمن يكون قويًّا في توحيده، فيجتنب المعاصي صغيرَها وكبيرَها، ويتوكل على الله تعالى في أموره كلها، ويدعو إلى ذلك وينشره. ويكون قويًّا في صلاته، فلا يُفرط فيها أبدًا، ويحرص على أدائها في بيوت الله تعالى، ويحرص على إتمامها بالنوافل التي تكمل ما قد ينقص من الفرائض. ويكون قويًّا في أداء ما أوجب الله عليه من الزكاة؛ فلا ينقص منها شيئًا، ولا يؤخرها عن وقتها، ويؤديها إلى مستحقيها، ويكمل ذلك بالصدقة المستحبة. وهكذا في صيامه وحَجه وبِرِّه بوالديه، وغير ذلك من الطاعات والعبادات. على الجانب الآخر ينبغي أن يكون قويًّا في عمله في دنياه؛ فيُحسِن فيه نيته لربه جل وعلا، فينوي كسب الرزق الحلال، ونفع إخوانه المسلمين، ومساعدة المحتاجين، ويؤدي عمله بأمانة وصدق، ويتقنه على الغاية التي يستطيعها. وبكل ما ذكرنا يكون المؤمن قويًّا فيما بينه وبين الله، وفيما بينه وبين الناس. يقول ابن الجوزي -رحمه الله-: "مَن أعْمَل فِكْره الصافي دَلَّه على طلب أشرف المقامات، ونهاه عن الرضى بالنقص في كل حال". فيجب علينا في هذه الأيام المباركة المبادرة والإسراع في استنهاض الهمم ورفع العزائم لاستقبال أفضل الشهور ألا وهو شهر رمضان بعزيمة قوية وإرادة متمكنة. فلا بد من رفع الهمة قبل رمضان لنسعد بطاعتنا ونسعد بالتوفيق للعبادة والإكثار من الطاعات في شهر الصيام. اللهم إنا نسألك همة عالية، وعزيمة قوية، وإيمانًا لا يتزعزع، ونسألك الثبات على دينك الحق حتى نلقاك يا رب العالمين. [email protected]