26 أكتوبر 2025

تسجيل

المظاهر تحكم العالم

18 مارس 2020

قديما قال الفيلسوف والمؤرخ الألمانى فريدريش شيلر ان (المظاهر تحكم العالم) بالفعل هى حكمة عميقة تحكى عن واقع نعيشه منذ زمن بعيد إلا أن الأمر تفاقم بكثرة في الآونة الأخيرة. فمن أبرز ما أثار انتباهي هوس هذا الجيل بما يسمى الماركات العالمية والعلامات التجارية البارزة يتهافت عليها بشكل لافت سواء في الملابس والأحذية والعطور وكذلك الأكسسوارات. أصبح ذلك هوساً ساهم المجتمع في تفشيه ما جعله ميدانا للمنافسة والمفاخرة بينهم. الماركات العالمية ابتكرتها الشركات لتمييز منتجاتها عن المنتجات الأخرى من نفس النوع وهى في أغلبها أوروبية وقد بلغ أسعار بعض شعارات الماركات عشرات المليارات من الدولارات. وقد قال وزير التجارة الفرنسي في تصريح له عن الماركات (أنها أكبر أكذوبه تسويقية صنعها الأذكياء لسرقة الأغنياء فصدقها الفقراء) ويسلط ذلك التصريح الضوء على أن هوس "البراندات "ليس مقتصرا فقط على الأغنياء وأن التهافت على شرائها ليس له علاقة بالطبقة الاجتماعية أو الحالة المادية. فكثير من الأشخاص يحرص على الظهور مرتدين أحدث الماركات بغض النظر عن سعرها باعتبارها تمثل عنواناً للشخصية والمكانة الاجتماعية وتحدد قيمتهم في أعين الآخرين، فضلا عن أن البعض يعتقدون أنها تعزز ثقتهم بأنفسهم والبعض الآخر يحرص على اختيارها بسبب الجودة والتصميم أو بسبب أن المتاجر الخاصة بهم تقدم مستوى خدمة جيد يشجعهم على تكرار التجربة مرة أُخرى. مالا يعلمه معظم المستهلكين أن غالبية الشركات ترفع سعر منتجها لكى تعطينا صورة مميزة عنها باعتبارها المنتجات الأعلى جودة من المنتجات المنافسة الأخرى ذات السعر الأقل. وقد لعبت الحملات الدعائية المنتشرة في الشوارع والصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية دوراً كبيراً في جذب اهتمام الكثيرين، وتلعب وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة انستغرام دور كبير في هوس الشباب بشراء الماركات حيث تحرص كثير من النساء على متابعة أحدث صيحات الموضة فالكثير منهن يعمل كمدونات للموضة ويقمن بنشر صورهن بارتداء الماركات الشهيرة ويصل عدد متابعيهن إلى ملايين مما يدفع المصممين العالميين إلى دعوتهم لحضور عروض الأزياء الخاصة بهم وهو مايثبت أهمية تلك المواقع في زيادة المستهلكين لشراء الماركات. مما لا شك فيه أننا جميعا نحب الظهور بالشكل الجيد، وخاصة من خلال ما يعنيه المظهر الخارجي. لكن إن كان هناك منتج بنفس الجودة وبسعر مناسب. فلما أدفع قيمة الصورة الذهنية والدعاية والإعلان والماركة العالمية دون مانع سوى ليقال إني أحمل حقيبة براند بعينها. ثم هل باقي السلع بالسوء الذي نتصوره ؟ نعم بعضها ردئ.. لكننا نستطيع التمييز بين السيئ و الجيد دون أن نحتاج لدفع أضعاف مضاعفة تكلفة السلعة. الأمر الآخر.. القاعدة تقول (لا إفراط ولا تفريط).. فلا شك أن المبالغة بشراء الماركات العالمية مكلف ويُحمِّل الكثيرين أعباء مالية وهو في النهاية إسراف قال فيه الله تعالى (وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) ٠ وأرشدنا الله تعالى إلى الاعتدال فقال (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ). فلنعلم أبنائنا أننا نكتسب قيمتنا من أخلاقنا وَمِمَّا نقدمه لمجتمعاتنا وثقافتنا ومدى مستوانا فى الهرم المعرفى للدوائر المحيطة بِنَا. فالمظاهر أبدا ماكانت مقياسا للتحضر....(التحضر الحقيقى... تحضر الأخلاق والعقل)