17 سبتمبر 2025
تسجيلأتفهم سوء الفهم لدى بعض القراء الكرام عندما يصابون بحساسية إيديولوجية وليست موضوعية وهم يقرأون مقالاتي أو مجرد عناوينها حول الأسرة التونسية وما تعانيه من معضلات متراكمة فعوض أن يناقشوا الأصل ويردوا على ملاحظاتي يسرعون إلى مهاجمة شخصي ونعتي بالوهابي أو الرجعي وهو ما لم يعد ينال مني بعد أن جمعت من شتائم صحافة العار في سنوات الجمر ما يملأ شاحنة بأقلام الجريدي وغيره من محدودي البصيرة وأسيادهم الذين كانوا يغذون صحفهم بالمقالات الفاضحة والماسة بالأعراض. فليكف من يسبني ليبدأ بالرد علي بالحجة إذا كانت لديه حجة وHنا لا أدعي احتكار الحقيقة فلعل من يجادلني بالتي هي أحسن يقنعني فأتراجع عن مواقفي وأشكره على تصحيح مفاهيمي. إنني أدعو إلى حوار هادئ حول قوانين الأحوال الشخصية بكل وعي فأنا بدأت مسيرتي بالدفاع عن دولة الحداثة ضمن الحزب الدستوري ولكنني لم أركب موجة تأليه الزعيم بورقيبة ولا المتاجرة بمكاسبه لأغراض انتخابية بل طالبت بالديمقراطية الغائبة وهو في عز سلطانه وعملت إلى جانب صديقي محمد مزالي من أجل الاعتراف بأحزاب معارضة وإقرار الوفاق مع الإسلاميين واجتناب القمع وإعادة الاعتبار للغتنا العربية وضحيت من أجل ذلك فمستقبلي ورائي وليست لدي مطامع لا في شهرة ولا في مناصب ثم أنا أدعو إلى تشكيل هيئة من علماء القانون والاجتماع لتدرس مواطن النقص وإصلاح ما تجاوزه الزمن في قوانين الأسرة بكل المعطيات العلمية وبشعور وطني يحس بمشكلات الأسرة التونسية بعد ستين سنة.منذ عقود لم أتعب من القول بأن كل قانون هو كائن اجتماعي حي يتعدل ويتطور ويتحور حسب التحولات الطبيعية التي تطرأ على المجتمع ومن الواجب تعديله أو تطويره أو تحويره إنما نحن الوحيدون الذين تتسابق نخبتنا إلى كسب أصوات النساء (في الواقع صنف واحد من النساء) برفع شعار (مجلة الأحوال الشخصية خط أحمر) بما فيهم النهضة التي أمسكت ببعض خيوط السلطة ففرطت في ثوابتها وقالت مع القائلين (إنها خط أحمر) وما زلت يوميا أكتشف النقائص التي انفرد بها مجتمعنا والتي فرضها هذا القانون الموقع بخاتم أخر ملوك تونس محمد الأمين باشا باي سنة 1956 وآخر هذه النقائص ما قرأه الناس على صفحات جريدة (الصباح) التونسية ليوم 22 فبراير 2015 حيث جاء في الجريدة عنوان هو (رجل تزوج بنت أخته) ونقرأ في الخبر: (تمكنت الشرطة العدلية بالسيجومي في جويلية (يوليو) 2014 من إلقاء القبض على زوجين يسكنان مسكنا في حضيرة بناء وبالتحقيق معهما تبين أن الزوج هو خال الزوجة! وبالأمس أصدر حاكم التحقيق بمحكمة تونس الثانية قرارا يقضي بحفظ جميع التهم في حق المشتبه بهما (أي الزوج الخال والزوجة بنت الأخت) وذلك لعدم وجود جريمة معتبرا بأن ما جاء به قانون عدد 3 لسنة 1957 المؤرخ في غرة أوت (أغسطس) 1957 ومجلة الأحوال الشخصية لم يحرما صراحة زواج المحارم!!! واكتفت تنصيصا على بطلان الزواج منتهيا (أي حاكم التحقيق) إلى عدم وجود الركن الشرعي للجريمة وهو ما أقرته دائرة الاتهام بتاريخ 17 جوان (يونية) 2015). انتهى الخبر كما سردته جريدة (الصباح). هذه النقيصة التي اكتشفها القضاء في هذا القانون الذي صدر في عصر الأجداد ليتحكم في عصر الأحفاد وغفل المشرع المتسرع آنذاك عن تحريم الحرام واكتفى بتحريم الحلال أما النقيصة الثانية فجاءت على قناة (المتوسط) التونسية هذه الأيام في حديث متميز شديد الوعي مع الدكتور أحمد الأبيض الطبيب وأشهر المختصين في الطب النفسي والعائلي (و الرجل ليس لا وهابيا ولا رجعيا بل عالم مستقل!) قال الرجل معلقا على خبر بلوغ تونس الرقم القياسي عربيا وعالميا في نسبة الطلاق (العهدة على مقدمة البرنامج في الرقم القياسي وهو الأرجح لأننا كدنا نبلغ معدل طلاقين على ثلاث زيجات والمفارقة العجيبة أننا الوحيدون الذين لدينا مجلة قانونية تحمي المرأة! ومع ذلك ضربنا الرقم القياسي في الطلاق أي في إيذاء المرأة وتشريد الأطفال!) .أما النقيصة الثالثة فشاهدتها مع جمهور قناة تونس الثانية يوم 3 مارس 2015 حين قامت بتحقيق في قسم رعاية الأم والطفل في مستشفى مدينة سوسة حيث قال الطبيب مدير للمركز للصحفي: ” لدينا مشكلة عسيرة ففي المركز اليوم 175 رضيعا من بينهم 73 مولودا خارج الزواج القانوني وأشار إلى رضيع تحمله القابلة في أحضانها قائلا: “هذا الرضيع مثلا وهو ملاك برئ لا يطالب به أحد ولا يعترف بأبوته أحد وتصوروا مأساة هذا الطفل إذا كبر وهو لا يعرف له أبوين؟ وهذا المؤشر يؤكد الرقم القياسي غير المشرف الذي بلغناه وهو أعلى معدل في الأمهات العازبات عربيا. أما النقيصة الرابعة فقد أطلقها وزير الصحة د.محمد صالح بن عمار كصيحة فزع حين قال منذ أيام أن لجوء المرأة التونسية للإجهاض من دون أسباب شرعية أو صحية أصبح ظاهرة خطيرة على سلامة مجتمعنا وأكد الوزير أن %30 من نسائنا يجهضن لأن عملية الإجهاض متاحة بنص القانون لكل امرأة حتى ولو جاءت غير المتزوجة لتجهض! وفي ذلك طبعا قتل للنفس بغير حق وتدمير لقوامة الأب ووازع الأخلاق والفضيلة.ونأتي للنقيصة التي حملها لنا العدد المتزايد من الأطفال التونسيين المنتحرين (18 طفلا انتحروا سنة 2014 منهم 14 فتاة في سن التعليم الابتدائي وهي كارثة غير مسبوقة) ولكن السبب الأول في نظري هو تفكك الرابط الأسري وتقلص سلطة الأب بسبب ما تدعو إليه بعض النساء المسترجلات النشيطات من منح كل الحقوق للمرأة وحرمان الزوج من قوامة الأبوة .