27 أكتوبر 2025
تسجيلهل يحتاج أبناء الشعب الليبي إلى من يذكرهم بأنهم عاشوا أكثر من أربعة عقود في بطش قاس، فقدوا خلالها ليس فقط أمنهم وكرامتهم، إنما فقدوا فيها أيضاً أرواحهم بما لا مزيد عليه من الفقد، عندما أصبح إزهاق نفس الإنسان الليبي أهون على نظام القذافي من إزهاق نفس قط برى هائم في البرية الخلوية. هل يمكن أن ينسى أحد من أبناء الشعب الليبي مأساة حادثة السجن التي قضى فيها على أكثر من ألف سجين بدم بارد جزاء وفاقا على تمردهم على نظام ملك ملوك إفريقيا. أم هل يحتاج أحد من أبناء الشعب الليبي إلى من يذكره بالسخرية والهوان التي أضحى عليها اسم بلده بسبب أفعال رئيسه التي لم تماثلها الا أفعال الحاج عيدي أمين اليوغندي، الرئيس مدى الحياة، الذي كان يرص الألقاب المختلسة أمام اسمه بمال تهوى نفسه دون أن تطرف عينه من حياء وفيدل، مثلما كان يفعل شبيه القذافي الآخر، جان فيدل بوكاسا، رئيس، وامبراطور جمهورية إفريقيا الوسطى، الطاؤوس الآخر، الذي كان يرصع صدره بالنياشين والأوسمة الذهبية باعتباره الامبراطور الوحيد المتبقي في طول إفريقيا وعرضها بعد أن أطاح الضابط الإثيوبي منقستو هايلي مريام بآخر أباطرة إفريقيا الحقيقيين، الامبراطور هيلاسياسي، أسد يهوذا الأول، في انقلاب دموي في عام 1974 بعد حكم دام 46 عاما. شعور الأسرة الدولية بفداحة المحنة الاستثنائية التي كان يعيشها الشعب الليبي تحت قهر ملك ملوك إفريقيا المزيف، جعلها تتنادى إلى نصرة الثورة الليبية بصورة غير مسبوقة. حيث لم تتناد الأسرة الدولية في الماضي والحاضر، بقضها وقضيضها، إلى نصرة ثورة من الثورات مثلما تنادت إلى نصرة الثورة الليبية. حيث تناوبت قوات أمريكية وبريطانية وفرنسية وإيطالية وعربية وإفريقية إرسال الدعم العسكري الكبير والمدد اللوجستى الوفير الذي غيّر موازين المعارك فوق الأرض. وحرّم الأجواء الليبية على الطيران الليبى والأسلحة الليبية الأخرى التي لا شك انها كانت قادرة على حسم ثورة الشباب الليبي غير المتمرس في لحظات لولا ذلك الدعم العسكري الأممي. في نهاية الأمر كان مردود الدعم الأممي سريعا وحاسما. فقد انهار نظام ملك ملوك إفريقيا سريعا وتهشم مثل قطع البسكويت الناشف ولم يبق لدى الثوار شيء كثير يفعلونه غير تبادل التهاني على النصر المؤذر الذي جاء بمساندة من حراب الغير. بالطبع هذا لا يقدح في تضحيات الثوار ومساهماتهم في تحقيق ذلك النصر كل حسب طاقته وحسب ما قدر له. لقد شاهدنا كيف تساقط الكثيرون من الشباب في ميادين القتال وهم يقدمون أرواحهم النضيرة ثمنا لحرية حرموا منها وبحثا عن حلم كان يرتاد أفئدتهم. أكثر ما لفت النظر أنهم كانوا يفعلون ذلك بتدافع غريب نحو براثن الموت. مراسلة لصحيفة غربية وصفت احد المشاهد من ميادين القتال في مدينة مصراتة. قالت إن المدافعين عن احد المواقع الاستراتيجية صمدوا في مكانهم ورفضوا أن يسلموا بوصة واحدة للعدو مفضلين أن يسلموا أرواحهم عوضا عن ذلك. أذن يبقى السؤال المحير من أين أوتيت الثورة. وكيف دخل عليها الوهن حتى صرنا نسمع عن سرقة البترول وعن البحث عن محاصصة التوظيف والغنائم. السؤال كبير. وما حدث ويحدث الآن في برقة لغز أكبر. قد تندم الأسرة الدولية على دعم ذهب إلى غير أهله. وعلى سهم أرسلته بحرص لكنه طاش عن هدفه إذا استمر هذا العوار الليبي. ولكن الأمل ما زال الأمل باقيا في أن يدرك ثوار ليبيا أن الرجاء فيهم كان وما زال أكبر من هذا يجري في بلدهم اليوم، فيعملون اليوم قبل الغد على تلافي ما يمكن تلافيه.