11 سبتمبر 2025
تسجيلكانت تريد أن تكتب، أن تؤلف إصدارًا، وأن تعيش زمنًا آخر غير المكتوب لها من عمرها، زمن في ذاكرة الأجيال والمكتبات، على الأرفف وفي قلوب القرّاء، وكانت فكرتها جميلة في رؤيتها، نبيلة في رسالتها، ولكن في ثمة خطوة أخفقت، فتعثرت في انطلاقتها، أخطأت عندما وُجهّت لها نصيحة القراءة، قالت "أنا لست في حاجة أن أقرأ".إن الكتابة على سموها، ورفعتها في الحياة والأدب، إلا أنها تفسد دون القراءة، وإن الله سبحانه وتعالى عندما أنزل قرآنه، ما قال لنبيه الكريم "اكتب"، ولكن قال على لسان جبريل عليه السلام "اقرأ".يقول العقاد: "ليس هناك كتاب أقرأه ولا أستفيد منه شيئًا جديدًا، فحتى الكتاب التافه أستفيد من قراءته أني تعلمت شيئا جديدا هو: ما هي التفاهة؟"، ويذكر أنيس منصور عن العقاد أيضًا قوله: "إنني أطلب الكتب أحيانًا وهي في المطبعة!".فكيف نستغني عن القراءة؟ وكيف تتضاءل حاجتنا لأن نقرأ؟ كيف يكون ذلك وكل ما تقدمت بنا المعرفة، زاد وجلنا من الجهل، وتعاظم خوفنا من الفراغ، في القلب والعقل والقول.كيف لمداركنا أن تتفتح، دون أن تُشرعها يد العلم، ويُنير دهاليزها ضوء الكتب، كيف لنا أن ندرك ما العالم من حولنا؟ كيف يسير؟ وكيف سار من قبلنا؟ كيف سنعي التاريخ ونحن نجهله؟ والتاريخ خُلق للعلم وللعظة واستشراف المستقبل.ثم كيف سيكتب الجيل الذي لا يقرأ، أو الذي ليس في حاجة أن يقرأ؟ كيف للخيالات والصور والثروة اللغوية أن تتكون دون كتب وأمّات كتب، أليست القراءة زاد الكتابة؟ ألم نؤمن منذ زمن أن المنقطع عن القراءة، بعلاقة طردية سينقطع عن الكتابة؟لعلي لا أثق في رؤية شخص يجد نفسه مترفعًا عن الكتب، متكبرًا على القراءة، ولا أثق أيضًا في إنتاجه الأدبي فيما لو أنتج، ولعلنا عندما نتحدث عن كل ذلك، إنما نتحدث عن اللغة الذكية، التي هي أذكى من إدراكنا، اللغة صاحبة الكلمات العبقرية، التي لو حدث وإن أخطأنا إملاءً أو نحوًا أو غيرها، فإننا نحن من نبدو أغبياء، وتترفع اللغة بكلماتها إلى سماء الدهشة والكمال.الكتاب شرفة على الحياة، لو انطفأ نورها فإننا سنُحرم حينها من الإطلالة على فردوس قد يكون مفقودًا، على ألف حياة تُضاف إلى حياتنا، إن القراءة تهذّبنا، وتقوّم بصائرنا، تُسكن على حواشي ألسنتنا القول الجميل، والكلام المنمق، والحديث العذب، إنها ترسم في أذهاننا صورًا جميلة نرى بها الناس والكون.إن الكتابة توأم القراءة، لا نستطيع فصل مهارة عن أخرى، وإذا أردت أن يقرؤك الناس في كتابك، فاقرأ الآخرين فيما يكتبون.