16 سبتمبر 2025

تسجيل

الجدل البيزنطي

18 مارس 2014

هناك مصطلح جيد يختصر الكثير من الشرح وهو "الجدل البيزنطي" والذي يعني أن يتناقش طرفان دون أن يقنعا بعضهما البعض بما يؤمنان به، ولا يتنازل أي منهما عن وجهة نظره السلبية أو الإيجابية، وقد يستمر الجدل لفترة طويلة بدون الوصول إلى كلمة أخيرة أو حل أو اتفاق.تسمية "الجدل البيزنطي" بهذا الاسم تعود إلى الوقت الذي حاصر به السلطان العثماني محمد الثاني (محمد الفاتح) القسطنينة (أسطنبول) والتي كانت في ذلك الوقت تُسمى بالإمبراطورية البيزنطية أو الإمبراطورية الرومانية الشرقية وصمدت هذه الإمبراطورية إحدى عشر قرناً في وجه أعدائها ووجه من يحاول السيطرة عليها. كان البيزنطيون في وقت الحصار على مدينتهم وعاصمة إمبراطوريتهم منشغلون في الجدل والنقاشات الدينية وتكفير بعضهم البعض، بينما كان محمد الفاتح يحاول الهجوم على أسوار القسطنطينية. في ذلك الوقت، كان الإمبراطور قسطنين الحادي عشر يحاول تهدئة الأوضاع وتوحيد صفوفهم للتصدي لجيش محمد الفاتح، لدرجة أنه كان يبكي وهو يطلب من الأطراف المتنازعة في جيشه التوقف عن نزاعاتهم ونقاشاتهم والتركيز على حماية إمبراطوريتهم. وجد الإمبراطور نفسه يحارب بشجاعه لحماية إمبراطوريته ولكنه قُتِل في النهاية لأن أبناء إمبراطوريته كانوا منشغلين في نقاشات غير مجدية مثل "هل الملائكة ذكور أم إناث"؟" و "من أتى قبل من..البيضة أم الدجاجة؟" والكثير من الأسئلة والنقاشات التي أشغلت جيش الإمبراطور عن أداء عمله وحماية وطنه. فأصبحت "القسطنطينية" في يد محمد الثاني "الفاتح" الذي افتتحها عام ١٤٥٣ ميلادياً، والتي تسمى في وقتنا الحالي "أسطنبول".بدأ الجدل البيزنطي يعود بكل قوته الآن، فنرى أبناء العائلة الواحدة أو الوطن الواحد يتجادلون في أمور لا تستحق الاهتمام، وبإمكان هذا الجدل أن يشغل أمة كاملة عن التقدم والارتقاء بالعلم والعمل. مر الإسلام بعصر ذهبي عندما ترك الناس الجدال، واتجهوا إلى التركيز على إنجازاتهم مثل: عباس ابن فرناس الذي حاول الطيران، بالإضافة إلى كونه شاعراً وموسيقياً وعالماً في الرياضيات والفلك والكيمياء، وجابر بن حيان الذي اشتهر في علوم الكيمياء والفلك والهندسة وعلم المعادن والطب والصيدلة والفلسفة ويعد أول من استخدم الكيمياء في التاريخ، والحسن ابن الهيثم الذي ساهم في تطوير الرياضيات والبصريات والفيزياء وعلم الفلك وطب العيون والفلسفة العلمية وله الكثير من المؤلفات والبحوث العلمية التي مازال العلم الحديث يستخدمها.. وهناك الكثير والكثير من الأشخاص الذين ساهموا في العلوم والفنون في مختلف المجالات.هذه الأمثلة توضح إن ابتعاد الناس عن الجدل والتركيز على الإنجاز والعمل، يقودهم إلى المساهمة في عمل تغييرات إيجابية في الحياة.. فالمخترعون العرب والمسلمون ساهموا بالكثير رغم عدم وجود تقنية حديثة تساعدهم على ذلك، ولا سيارات تأخدهم إلى أماكن عملهم.. كل ما كان لديهم، هو حب للمعرفة واستغلال إيجابي للوقت.بالتقنية الحديثة، بالتشجيع، بالتزود بالعلم والثقافة، باستغلال عقولنا وأوقاتنا في العمل يمكننا أن نصبح من أفضل الناس فكراً وخلقاً، فالأموال وحدها لا تكفي لتقدم أمة، بل التنمية البشرية هي ما تستطيع أن ترفعها وتساعدها على التقدم.