11 سبتمبر 2025
تسجيللا جدل في قيمة مصر الحضارية وما أنتجته عبر التاريخ من مكتسبات لا تزال تستحضرها الأجيال وتفرض نفسها في الفكر الإنساني عموما والعربي والإسلامي خاصة، ولا شك أن الامتداد العريق للحضارة الفرعونية يشكل إضافة متواصلة ومستمرة لدور وقيمة مصر في المشهد الإنساني، وذلك لعب دورا مؤثرا في حفز المصريين للقيام بكثير من المعالي في المجال الحضاري والمعرفي والثقافي. ولمصر قيمتها الدينية، ويكفيها شرفا ذكرها في القرآن الكريم تسع مرات، ووصف رسولنا الكريم لها بأنها أرض الرباط، وقول عمرو بن العاص إن جنود مصر خير أجناد الأرض، وهو ما نستشهد به في العصر الحديث من وقائع بطولية سطرها الجيش المصري في حرب أكتوبر 1973م، وغير ذلك مما يندرج في مقامات الرفعة والسمو الذي يضيف إلى مصر والمصريين. غير أن تلك الوقائع تبدو أنها أصبحت غير مستقرة وتقف على أرضية معرضة لزلزال قد تنهار معه قيمة مصر وشعبها، فعدم حسن تدبير أمور الدولة واضطرابها على النحو الذي تحول فيه الأجيال الحالية وقادة المعارضة فيها بلادهم إلى جمهورية موز لا تختلف كثيرا عما يجري في أي دولة من العالم الثالث تعيش إنهاكا سياسيا وخللا في بنيتها السياسية تفقد معه الدولة هويتها. ما يحدث في مصر يؤكد أنه لم يعد هناك وعي بالدولة وقيمتها، وأن هناك سوء فهم غريبا للسلوك الديمقراطي الذي يعلو فيه صوت البلطجة والرصاص والحرائق التي تشتعل في كل مكان، حتما هناك خلل في الوعي وتراجع في القيمة الوطنية التي تتسامى على الصغائر وتضع مصلحة الوطن فوق الكيد والمزايدات السياسية، ذلك مؤشر لزيف القيمة المصرية وهوانها وتراجع مؤشراتها في المنطق الإنساني والحضاري. عدم اعتياد المصريين على الديمقراطية وتعطشهم للحرية لا يمكن أن ينتج مثل هذه الفوضى وتخريب استقرار الوطن ليس بعامل من خارج وإنما من داخل، محصلته النهائية أن المصريين ليسوا بخير حين يمارسون البلطجة ويمررون الطرف الثالث في وسط المسيرات والتظاهرات ليقتل ويحرق ويدمر وينهب ويروع ويحرم بلادا بأكملها نعمة الأمن والطمأنينة، ذلك لا يستقيم مع منطق التاريخ، ولم يعد بوسع المصريين أن يتحدثوا في الحاضر والمستقبل بلغة التاريخ التي تجاوزها الزمن، فأبو الهول لن يؤكلهم الخبز وكذلك الديمقراطية التي يزعمونها ونرى وقائعها أمامنا يوميا.