17 سبتمبر 2025

تسجيل

الصراع حول التعديلات الدستورية في مصر.. وخلفياته الدينية

18 مارس 2011

وصل الصراع حول التعديلات الدستورية التي قامت بها لجنة تعديل الدستور التي شكلها المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى ذروته في الأيام الأخيرة التي تسبق الاستفتاء المقرر عليها يوم السبت 19 مارس الجاري.. حيث كان هناك اتجاهان أساسيان أحدهما يؤيد التعديلات والآخر يرفضها ويطالب بوضع دستور جديد بشكل كامل. وقد حاول أصحاب كل اتجاه حشد قوتهم من أجل تحقيق الأغلبية المطلوبة، مستخدمين في ذلك كافة الوسائل للتأثير على الرأي العام من أجل توجيهه لاتخاذ نفس الموقف. وكانت الملاحظة الواضحة بشكل جلي على معركة التعديلات الدستورية أنها لم ترتبط أساسا بطبيعة تلك التعديلات بقدر ارتباطها بخلفياتها الدينية التي جعلت كل طرف من الطرفين يحاول استقطاب باقي أفراد المجتمع إلى جانبه من أجل كسب المعركة وحماية ما يعتقد أنه مستقبل الوجود الديني له في مصر. فبنظرة بسيطة على خريطة الاستقطابات الجارية في مصر نجد أن الطرف المؤيد للتعديلات الدستورية هو التيار الإسلامي بكل توجهاته الإخوانية والسلفية والصوفية، في حين أن الطرف الرافض لهذه التعديلات سنجد أنه يضم التيار العلماني الرافض لوجود الدين في الحياة العامة المصرية سواء بشكل كامل أو بشكل جزئي في المجال السياسي عبر فصل الدين عن الدولة، إضافة إلى الكنيسة المصرية بقيادة البابا شنودة. ويحاول كل طرف من هذه الأطراف استخدام كافة الوسائل المتاحة من أجل ضمان النسبة المؤيدة لتوجهه.. وكان بارزا لجوء الطرفين إلى استخدام الدين بشكل واضح مغلفا ذلك بأسباب قانونية وسياسية. فقد سعى التيار الإسلامي إلى استخدام النصوص الدينية من أجل دفع المسلمين إلى التصويت الإيجابي بـ" نعم " على تلك التعديلات حتى وصل الأمر إلى اعتبار التصويت الإيجابي عليها واجب شرعي يقترب من الجهاد في سبيل الله. وقد بالغت القنوات الدينية الإسلامية في الدعاية إلى هذا التصويت الإيجابي مستخدمة حشد من رجال الدين المشهورين والمسموعة كلمتهم في المجتمع من أجل إقناع الناس العاديين معللة ذلك بضرورة قطع الطريق على كل من يحاول تهديد الهوية الإسلامية والعربية للدولة المصرية. وقد تعامل التيار الرافض للتعديلات الدستورية بنفس الطريقة وإن لم يكن بنفس الوضوح كما هو الحال بالنسبة للتيار المؤيد لتلك التعديلات. لكنه يفهم من سياق الأحداث ومواقف من يدافعون عن رفض التعديلات. فمثلا رغم أن الكنيسة المصرية قامت باستخدام الدين بشكل حاسم لدفع التابعين لها للتصويت السلبي بـ "لا " على تلك التعديلات.. إلا أن ذلك لم يظهر بشكل علني في وسائل الإعلام وذلك بطبيعة الحال نظرا لقلة أعداد المسيحيين في مصر وبالتالي عدم قدرتهم على التأثير الحاسم في تعديل نتيجة التصويت.. لذا فقد حرصت الكنيسة على أن تكون الأوامر الكنسية للمسيحيين بالتصويت برفض التعديلات داخل الكنائس حتى لا يكون إعلانها استفزازا للأغلبية المسلمة مما يدفعها حتما إلى ضرورة التصويت بشكل معاكس لأوامر الكنيسة.. وفي الوقت نفسه تركت الكنيسة أمر الدعاية الإعلامية ضد التعديلات للتيار العلماني الذي يضم بالتأكيد تيارات فكرية مسيحية إلى جانب أخرى مسلمة.. حيث بقي الدين عنصرا مطروحا في مناقشات هذا التيار بشكل غير مباشر عبر أطروحة الدولة المدنية التي فسرها متطرفو الكنيسة والتيار العلماني على أنها الاستبعاد التام للدين الإسلامي من الحياة العامة المصرية وبالتالي إلغاء وجود أية نصوص قانونية تكون ذات مرجعية دينية إسلامية سواء في الدستور القادم أو القوانين الأخرى المنظمة لشؤون المجتمع. ورغم وجود جزء من التيار العلماني الذي يطرح العلمانية في صورتها غير المتطرفة والتي لا تمانع في وجود الدين في الحياة العامة المصرية مع وجود فصل مرن للدين عن الدولة بما يعني الإبقاء على خطوط التماس بينهما بما يحمي هوية الدولة المصرية التي تعتبر من الدول القلائل في العالم الإسلامي التي يتداخل فيها الوطني بالقومي والإسلامي حيث تكون قضيتها الوطنية هي ذاتها قضيتها القومية والإسلامية.. رغم وجود هذا التيار إلا أنه ليس صاحب الكلمة العليا في الساحة العلمانية والكنسية حيث السيطرة والغلبة للتيار المتطرف بقيادة الكنيسة. من المؤكد أن الاستفتاء القادم سوف يحدد ليس فقط طبيعة السلطة المقبلة في مصر ولكن أيضا الاتجاهات الفكرية المسيطرة على مصر في مستقبل وهل هو التيار الإسلامي أم العلماني.. فإقرار هذه التعديلات سوف يؤدي إلى متابعة باقي الخطوات المحددة سلفا وهي إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية سوف تكون الغلبة فيها بطبيعة الحال للتيار الإسلامي الذي يعد أكثر تنظيما وخبرة في العمل السياسي من التيارات الأخرى خاصة العلماني والكنسي التي كان جزء منها متحالفا مع النظام السابق ولم يكن يدرك أنه يحتاج إلى تنظيم أو تأطير نفسه في أحزاب وتيارات تضمن له حجز موقعه على الساحة السياسية حيث كان النظام السابق يضمن له هذا الوجود مقابل أثمان يقوم بدفعها لهذا النظام. ويظهر ذلك بوضوح شديد في حالة الكنيسة الأرثوذكسية التي تحالفت مع النظام السابق من أجل السيطرة على الطائفة المسيحية وتحويل ولائها للكنيسة بديلا عن الدولة وكذلك لتحقيق امتيازات طائفية ما كان لها أن تحصل عليها في ظل دولة مدنية حقيقية لا تريدها وتسعى بكل ما أوتيت من قوة للوقوف أمام إمكانية بزوغها بعد الثورة وهذا يخالف طبعا مواقفها المعلنة والتي تتشارك بها مع التيارات العلمانية الأخرى. وسيطرة التيار الإسلامي على المشهد السياسي القادم سوف يؤدي بالتأكيد إلى التأثير بشكل حاسم على عملية تشكيل البنية الأساسية للنظام القادم خاصة ما يتصل بوضع دستور جديد، حيث ستقوم بتحديد وجهة هذا الدستور بحيث يضمن الحفاظ على هوية الدولة المصرية الدينية والقومية.