11 سبتمبر 2025

تسجيل

سحب الفائض مفتاح تعافي أسواق النفط

18 فبراير 2015

ارتفاع أسعار النفط الخام خلال الأيام السابقة، ومنذ بداية عام 2015، بما يفوق 10 دولارات للبرميل، أوجد انطباعاً إيجابياً في أسواق النفط، كانت البداية من تصريحات الأمين العام للأوبك وأخرى لوكالة الطاقة الدولية، وآخرين حول تحديد القاع لأسعار نفط خام برنت عند 45 دولارا للبرميل، ويجب التشديد على دور بيوت المضاربين في هذه الأجواء ومسار السوق النفطية، ولعل أفضل ما يمكن وصف المرحلة الحالية لأسعار النفط الخام به هي أنها تذبذب وفق المؤشرات ما بين هبوط وصعود ولا تمثل مرحلة تعافٍ، وذلك أن سبب هبوط الأسعار هو الفائض في المعروض، وتبقى السوق ضعيفة طالما ظلت السوق تعاني من اختلال لصالح المعروض، وأن دلائل سحب الفائض بشكل يحقق التوازن هو الكفيل باستقرار ودعم تعافي أسعار النفط باستمرار. هذه ديناميكية تحرك أسعار النفط التي يجب أن تكون واضحة، هذه الأمور أكدها غير واحد من بيوت الاستشارة المعروفة دولياً، ولعل من أهم معالمها هو التحول من الكونتانجو إلى الباكورديشين في أسعار النفط، أي بمعنى يسير وسهل التحول من حالة ضعف أسعار النفط الحالية مقارنة مع المستقبل، إلى ارتفاع في أسعار النفط الحالية مقارنة مع المستقبل.ورغم ذلك فقد شهدت السوق النفطية بعض المستجدات والتي كان لها الأثر في تحول السوق نحو الارتفاع في المرحلة الحالية، ومن بينها أن الشركات النفطية في العالم مثل شيفرون وإكسون وشل وبي بي أو حتى الصينية أو شركات التنقيب الأمريكية بدأت بالإعلان عن خفض في موازنة الإنفاق الرأسمالي لعام 2015، وهذه تقدم إشارة إلى أن هناك تحديا أمام الاستثمارات في إنتاج نفط جديد ربما تظهر آثاره في المستقبل.وبالنسبة للإمدادات من خارج الأوبك بدأت بعض بيوت الاستشارة، ومن بينها بيرا وسيرا، تتوقع انخفاضا في إمدادات النفط من خارج الأوبك بمقدار قد يصل إلى 500 ألف برميل يومياً، وهو ما يقدم آفاقا بأن توازن السوق بات قريبا وأيضا بأن الطلب على نفط الأوبك ربما يشهد زيادة في عام 2016.كما سجل عدد أبراج ومنصات الحفر انخفاضاً كبيراً منذ شهر أكتوبر 2014 وإلى اليوم، جاء في غالبه من أبراج الحفر العمودي، وفي الأسابيع الأخيرة شمل الانخفاض أبراج الحفر الأفقي والتي لها علاقة بإنتاج النفط الصخري.وفي هذا السياق يستحق الأمر، الوقوف عند تقرير بنك دويتشي والذي صدر في 6 فبراير 2015، وأشار إلى عدة أمور أجدها مهمة لكل مراقب في سوق النفط، ومنها أن متابعة وتوقع وتيرة انخفاض في عدد أبراج ومنصات الحفر لا تعني بالضرورة خفضا في إنتاج النفط الصخري، ذلك لأن الأمر متعلق بإنتاجية برج الحفر أيضا، وهو مرتبط بسرعة حفر الآبار، وحجم الإنتاج الجديد الذي يأتي نتيجة لذلك، وعند النظر في خفض نشاط الحفر خلال السنوات 2008 – 2009 بسبب هبوط أسعار النفط، فقد تزامن ذلك مع ارتفاع في إنتاجية أبراج الحفر، حيث يركز المنتجون على عدد أقل من أبراج ومنصات الحفر والأماكن الواعدة بالنسبة لإنتاج النفط في الحقول، وقد تم رفع كفاءة إنتاجية أبراج الحفر منذ عام 2013، وأبرز تلك النجاحات هي في بيكان، إيجل فورد، نايبارا، يوتيكا، بينما تأخر تحقيق هذه الأهداف في بيرمين، هينسفيل، وميركيللس.ثم يقوم بنك دويتشي بتقديرات التوقعات وفق السيناريوهات الآتية: السيناريو الأول، افتراض خفض في عدد أبراج منصات الحفر شبيه لما حدث في عام 2008 – 2009 مع ثبات كفاءة إنتاجية برج الحفر، وهو يعني خفضا في عدد أبراج الحفر بمقدار 486 برج حفر، مقابل 453 خفضا فعليا في عدد أبراج الحفر خلال السنة 2008 – 2009، وهو يعني خفض عدد أبراج الحفر من 1335 برج حفر في أكتوبر 2014 إلى 849 برج حفر في مايو 2015، وهذا ينتج عنه بلوغ إنتاج النفط غير التقليدي في الولايات المتحدة في شهر مايو 2015 عند 5.54 مليون برميل يومياً ثم يشهد انخفاضا تدريجيا إلى نهاية 2015، بحيث تكون الزيادة السنوية خلال عام 2015 عند 836 ألف برميل يومياً، وهذا لا يحقق التوازن المطلوب لدعم الأسعار.السيناريو الثاني يعني خفضا أكبر في عدد أبراج الحفر من 1335 برج حفر في أكتوبر 2014 إلى 623 برج حفر في أغسطس 2015، وهذا ينتج عنه بلوغ إنتاج النفط غير التقليدي في الولايات المتحدة في شهر مايو 2015 عند 5.05 مليون برميل يومياً، ثم يشهد انخفاضا تدريجيا إلى نهاية 2015، بحيث تكون الزيادة السنوية خلال عام 2015 عند 767 ألف برميل يومياً، وهذا أيضاً لا يحقق التوازن المطلوب لدعم الأسعار.وفي كل الأحوال، فإن التغير في السوق نتيجة هذه المستجدات قد بدأ تأثيره على منحنى الأسعار في المستقبل لنفط خام برنت، وهو أحد المؤشرات المهمة في سوق النفط والذي يشير حاليا إلى متوسط أسعار عند 66 دولارا للبرميل خلال عام 2016، والذي يشجع استمرار تطوير إنتاج النفط الصخري على أساس جدوى اقتصادي مع عائد بمقدار %10، وإذا ما استمرت بوادر التحسن والتعافي في منحنى الأسعار في المستقبل بهذا التوجه، فإن ذلك يشجع الاستمرار في تطوير النفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية.ويظل تأثير السوق الأمريكية في الأسواق واضحا وفي مسار الأسعار الإيجابي الحالي، ومن المؤشرات في هذا السياق، استمرار إضراب المصافي الأمريكية وتأثيره على إنتاج المنتجات البترولية، خصوصا الجازولين، مع استمرار ارتفاع استهلاك السوق الأمريكية من الجازولين في ظل ضعف الأسعار وزيادة مبيعات السيارات هناك، كما أن المؤشرات الاقتصادية الإيجابية لأداء الاقتصاد الأمريكي ونسب البطالة تصب في الأجواء الإيجابية في السوق الحالية.كذلك هناك عودة للعوامل الجيوسياسية للسوق النفطية، مع استمرار القلق على إنتاج النفط الليبي في ظل حالة عدم الاستقرار هناك، وقرصنة ناقلة النفط النيجيرية حسب ما تناقلته الأخبار وهو ما يؤثر على المعروض من النفوط الخفيفة فائقة النوعية، في وقت يرتفع فيه الطلب على تلك النفوط مع استمرار موجة البرد، خصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالطبع يرفع أسعار نفط خام برنت، ويجب أن نتابع الحالة السياسية في أوكرانيا، لأنها أيضاً تضيف بعدا لحالة القلق في الأسواق.ورغم ذلك إلا أن ثبات تعافي أسعار النفط، يمكن أن يكون مؤكداً في حالتين، الأولى تطورات جيوسياسية تتسبب في انقطاع إمدادات النفط عن السوق، والثانية مؤشرات حقيقية لتناقص المعروض في السوق بما يحقق التوازن، وفي كل الأحوال فإن سوق النفط ينتظر توقعات تصدر قريبا عن وكالة الطاقة الدولية وسكرتارية الأوبك ليتم تحديد مسار الأسعار في المرحلة القادمة.ومن الأمور التي تستحق مراقبتها في الفترة المقبلة وتحدد المسار هو حجم طاقة التكرير التي تدخل في برامج الصيانة الدورية وتأثير ذلك على الطلب العالمي على النفط، مستويات بناء المخزون سواء التجاري أو الإستراتيجي، المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، الطلب الصيني على النفط، وإستراتيجيات الشركات النفطية والخدماتية بأنواعها في مختلف الأسواق.