12 سبتمبر 2025
تسجيلالمشهد المصري الآن يبدو واضحا، فهناك دولة جديدة تتشكل في مصر بزعامة المشير عبد الفتاح السيسي، الذي يعتبر دينامو الحركة، ونجم "الحالة"، فرغم وجود رئيس مؤقت وحكومة مؤقتة، إلا أنه الوحيد الذي يعتبر "أكبر من الحكومة"، فلا يوجد اسم يتردد في الإعلام المصري سوى اسمه وإلى جانبه أحيانا اسم وزير الداخلية محمد إبراهيم الذي تطوع رئيس قسم الفقه المقارن في جامعة الأزهر باعتبارهما "رسولين" مثل موسى وهارون.هذا الجنرال أطاح بالرئيس المنتخب شعبيا الدكتور محمد مرسي، في انقلاب حاول أن يتخذ غطاء شعبيا عبر هندسة حركة جماهيرية تعتبر درسا لكل راغب بدراسة تحريك الكتل الجماهيرية، وتمكن بواسطة إعلامه والنخب من زرع الشك حول أن ما حدث "ثورة لا انقلاب".لكن نتيجة "ثورة 30 يونيو" أفضت إلى انقلاب "3 يوليو"، وهذا أمر عجيب، فالثورات تنتهي عادة إلى شكل من أشكال الديمقراطية ولو كانت في حدها الأدنى، أما أن تنتهي بالإطاحة برئيس منتخب، فهذا يعني أن ما جرى ليس ثورة انقلاب رغم "هندسة الحركة الجماهيرية"من الناحية العملية يمر الانقلاب في المراحل التالية: تكميم أفواه.. اعتقالات.. عمليات قتل.. ثم استحواذ على السلطة، وجردة الحساب على الساحة المصرية تظهر أن الجنرال عبد الفتاح السيسي ورفاقه الانقلابيين من الجنرالات والفلول عمدوا إلى تكميم الأفواه وإغلاق الفضائيات والصحف المعارضة واعتقلوا الصحفيين وقتلوا عددا كبيرا من الصحفيين لم يسقط حتى في ثورة يناير، ثم شددوا الخناق بسن قانون الإرهاب لاعتقال "كل من يتنفس" على الإنترنت والفيسبوك وتويتر، واعتقلوا أطفالا صغارا بتهمة "رفع إشارة رابعة"، وتحول إرهاب الصحفيين وتهديدهم إلى سياسة يومية، وهذه وقائع تحدثت عنها كل منظمات حقوق الإنسان الدولية، بل ووصل الأمر إلى الاحتجاج على نقابة الصحفيين المصريين التي لم تصمت عن الانتهاكات بحق الصحفيين.في المرحلة الثانية وصل عدد المعتقلين في مصر أكثر من 21 ألف معتقل زجهم الانقلابيون في سجون، وكشف منظمات حقوق الإنسان عن ممارسات بشعة للتعذيب في هذه السجون، خاصة منظمتي العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش، وكانت الصورة الأكثر ألما هي صورة المعتقلة "دهب" التي اعتقلت وهي حامل، ووضعت حملها والقيود في يديها وولدت وهي ترسف في الأغلال لأنها متهمة "برفع إشارة رابعة"، ولا أعتقد أن هناك وحشية يمكن أن تصل إلى هذا المستوى في العالم، امرإة تلد وهي مقيدة بالسلاسل، وحدثتني إحدى المعتقلات التي اطلق سراحها قبل شهر تقريبا، وهي ناشطة إعلامية محجبة انها اعتقلت من دون تهمة وتم وضعها في زنزانة واحدة مع "متهمات بالدعارة" للتنكيل بها نفسيا وجسديا، وهذه عينة بسيطة جدا مما يجري في سجون الانقلابيين التي اكتظت بالأبرياء من أبناء الكنانة.فيما يتعلق بالقتل فإن الإحصاءات الدامية تشير إلى قيام الانقلابيين بقتل 6000 شخص خلال 8 شهور من الانقلاب "اقل الإحصاءات تشير إلى مقتل 2000 على الأقل"، وتعدى ذلك إلى حرق الجثث وجرفها ونقلها إلى أماكن مجهولة، ولا ننسى بالطبع قتل 50 معتقلا خنقا بالغاز المسيل للدموع في سيارة للترحيلات.المرحلة الرابعة والأخيرة للانقلاب "كامل الدسم" هي الاستيلاء العلني الكامل على السلطة، فالإخراج الهوليوودي لـ "ثورة 30 يونيو" تضمن أن يلعب الجنرالات الانقلابيون من خلف الستار وان تكون الواجهة مدنية، لكن الأمر لم يتم على حسب المخطط المرسوم على الورق، وتصدر الجنرال السيسي المشهد رغم وجود رئيس ورئيس وزراء، واحتلت صوره الميادين والشوارع، وتحول إلى " النجم والمخلص والمنقذ والمبعوث الإلهي.. وأخيرا الرسول"، لكن ذلك لا يكفي بالطبع إذ لا بد من تحويله إلى "رئيس كامل الدسم" في انتخابات يشارك فيها مؤيدوه، وذلك بعد تغيير الدستور الذي اختاره ثلثا الشعب بدستور لجنة الخمسين الذي أيده 98.1 في المائة من المصوتين، وهي نتيجة دفعت أحد مؤيدي الانقلاب الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح إلى التندر على هذه النتيجة بقوة "أن كتابا سماويا لا يمكن أن يحصل على هذه النسبة".