10 سبتمبر 2025
تسجيلهل كان الإنسان البدائي يعرف أنه سيأتي زمن تكون فيه الصناعة وثورة الاتصالات من التطور الذي جعل العالم مجرد هاتف في يدك؟ بالطبع لم يكن يعرف. كان كل همه أن يتغلب على الحيوانات المتوحشة والتغيرات في الطقس والبيئة، وشيئا فشيئا تحت ضغط الحاجة عرف الزراعة وعرف الأزياء وما يستره أو يدفئه في الأيام الباردة وعرف الصناعة. تغير شكل الحياة من أفراد إلى جماعات أو قبائل، ثم قرى ومدن ودولة، وكانت معركة الإنسان هي كيف تتم إدارة ذلك كله. على الجانب الآخر قامت حروب وضاعت دول وظهرت أخرى، وغير ذلك مما نعرفه أو يمكن معرفته بسهولة. ماهو العنوان الذي يمكن أن نضعه لهذه الرحلة. العنوان هو "الأمل". هل كان الأمل يشغل الجميع. بالطبع لا. هناك من أصابهم اليأس، لكن ظل الأمل هو الرافد الأعظم للحياة حتى لو لم يقل الإنسان ذلك. كل الأديان جعلت الأمل عنوانا لها، حتي التخويف من يوم الحساب كان من أجل أمل في العدالة في الدنيا. عشرات الحكايات حفلت بها قصص الأديان يمكن ايجازها في أن كل عذابات الأنبياء كانت من أجل وطن أفضل أو أملا فيه. حكايات نسجها كتاب للعودة إلى الوطن، من أعظمها وأقساها رحلة أوديسيوس بعد حرب طروادة في ملحمة الأوديسا، التي استغرقت عشر سنوات بين البحار والغابات حتى يعود إلي بيته في إيثاكا. خلال ذلك كان الكثيرون يريدون الزواج من زوجته بنيلوبي، فصارت تنسج بيدها قطعة نسيج وتخبرهم أنها بعد أن تنتهي منها ستنظر في الأمر، وما تنسجه بالنهار تفككه في الليل وتبدأ من جديد في اليوم التالي، يراودها الأمل أن تظل تخدعهم حتى يعود أوديسيوس ينتقم منهم، وحدث أنه عاد وانتقم. هي قصة وفاء المرأة لكنها قصة الأمل. أستطيع أن أمشي مع عشرات الحكايات التي تنتهي بالعودة إلى البيت، والبيت هو الوطن. يأخذني ذلك إلى ما يحدث في غزة بعد مضي مائة يوم حتى الآن على الإبادة الجماعية التي تقوم بها الدولة الصهيونية لأهل غزة. هل يحتاج غازٍ أو مستعمر لمائة يوم لإبادة شعب الآن؟ غازٍ أو مستعمر يملك كل هذه الأسلحة وفي هذا العصر؟ بالطبع لا. حقا هناك حكومات كثيرة من العالم تتفرج أو تساند هذا المحتل، لكن من المهم أن ندرك أن الصهاينة يدركون وأن أخفوا ذلك، أن أملهم ضاع في ابادة أهل غزة، وأن تراجعهم بشكل واضح يعني انفجارا داخل مجتمعاتهم، ومراجعة في شكل الحكم وفيما فعلوه، وانفجار الهجرة إلى البلاد التي جاءوا منها. تراجعهم هو اعتراف بالهزيمة، لأنهم يعلمون أن غزة ستنهض، وتجد من يساعدها في البناء من جديد، وأن الأسر الكاملة التي استشهدت ستأتي أسر وعائلات أخرى لا تنسى. الصهاينة يدركون جيدا خيبتهم وإن لم يفصحوا عنها، رغم أن بعضهم يتحدث الآن عن فشلهم، ويتجلى ذلك أيضا في انسحاب بعض قوات رئيسية لهم من المعركة، وفي سؤال معلّق في الفضاء كيف لم نستطع بعد كل هذا الوقت أن نفني غزة من الوجود؟ ما الذي جعل غزة تقاوم وتتحمل؟ لاشك أهلها وإيمانهم بأنهم أصحاب الأرض من ناحية، ومن ناحية أخرى لن يتخلى عنهم الله في السماء. سيكون سؤال الصهاينة كيف تركنا الله الذي وعدنا بالأرض من النيل إلى الفرات؟ كيف تركنا الله أو "يَهوا" - وهذا اسم إلههم - مائة يوم لا نستطيع تنفيذ خطتنا الإجرامية. إجابة هذا السؤال سيكون لها أثرها في تفكك عقائدهم الكاذبة ومن ثم دولتهم. [email protected]