11 سبتمبر 2025

تسجيل

معارض الكتب منطلقات تداوليّة

18 يناير 2020

يرتبط دور معارض الكتب بالقول المأثور" يؤخذ العلم من صدور الرجال أو من بطون الكتب". فهي تظاهرة ثقافية مهمة وطريقة من طرق الترويج للنتاج الثقافي ، لذا يحق التساؤل : ما دور معارض الكتب في الحركة الثقافية ؟ نزهة فكريّة تجاوز قارئ اليوم الكثير من معيقات الحصول على الكتاب ، بعد انتشار المكتبات و دور النشر و متاجر الكتب الإلكترونية . إن فكرة الترويج للكتب لاقتنائها غدت مجرد مسلّمة، ولم تعد هي الغاية في عصر تجاوز الكثير من المعيقات. فبات القاصد إلى معرض الكتاب كمن يجوب في نزهة فكرية؛ أشبه بعنوان موسوعة العالم الجغرافي عبدالله الإدريسي "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق" ؛ إذ يتضمن خريطة عميقة للنتاج الثقافي لمختلف حضارات التاريخ الإنساني، و لغات الشعوب و تراثها ، ووعاء الذاكرة الوجوديّة بشتى أشكال العرض و التعبير الجمالي، فكل حضارة تتغيا التواصل و التبادل الثقافي مدفوعة ببواعث التقدير لمنجزات ماضيها كحاضرها. فتأتي هذه النزهة لما تعبر عنه المؤلفات من جديد عناوينها، وهو ما تحمل بين طياتها من رمزية لتجدد الوعي و تشكيل الصورة الذهنية حول المعارف الإنسانية، فأساليب حياة الأمم تتأثر بأفكارها في الأزياء ، العمران ، الموسيقى و الدراما، والفنون على مختلف أشكالها. واحة للباحث الاجتماعي التربوي قد تكون المعارض في أحايين كثيرة أداة بحثية مهمَّة لتحليل الوعي الكامن في المجتمع . فتتيح بلورة الظواهر الفكرية ومكتسباتها من حرية التعبير و حرية التفكير، و دراسة العوامل السيكولوجية بالاستناد إلى عمليات إحصائية لعدد الزوّار و لأكثر الكتب مبيعاً ، ولأكثر دور النشر استقطاباً للزوار، ومدى إقبال الجمهور على الفعاليات المصاحبة؛ لمعرفة اتجاهات الناشئة و الشباب ، ونسبة المقروئية ومقارنتها في كل قطب في المجتمعات. منصة تداوليّة وتتيح مثل هذه التظاهرات الثقافية أيضا بما تحويه من وعاء فكري وتنوع في المصادر؛ تداول النصوص ومناقشة الأفكار، فالتداول كثيرا ما يعطي حياة أخرى جديدة للنص عبر قراءة الظواهر الاجتماعية و السياسية و التاريخية وغيرها من منظور المتلقي لها، ومناقشة ما تحمله التجارب الكتابية من قدرة على التأثير الوجودي والاتجاهات. فهي تشجع النقد و تقدم رؤية مغايرة لمفهوم القراءة الذي بات تفاعل النصوص مع بعضها ضمن حلقة تتصل مع اللغة. فاللغة ليست مجرد أصوات و ألفاظ بقدر ما هي مطية لنقل الثقافات و تساهم في رفد الحضارة الإنسانية. فكل مجتمع تفصح لغته عن رفده المعرفي الذي يحافظ حياة اللغة و المجتمع من التهميش. ولعل ما ذكرناه يسلط الضوء على بعض الإشكالات التي غدت تتشكل مع سيرورة الواقع ، وتتداخل تداخلا وشيجا مع مزاج كل بيئة و كل عصر عبر مظاهره الثقافية .