إنانا وصقر قريش

كما في واسطة العقد تظهر لؤلؤة كريمة ظهر شاب يتوسط فرقته، أنهى العرض بوصلة موسيقية صغيرة أسر فيها قلوب الحاضرين رقص بخفة الفراشات، لكنه لم يحترق بالضوء بل زاده الضوء إشراقاً بين أعضاء فريقه الذين لو فتحت لهم المسرح الضخم الذي يؤدون عليه إبداعهم لانفلتوا طائرين كالبجع أو قل كالنوارس فوق شط الدوحة الحالم. جهاد مفلح لمن لا يعرفه شاب مناضل حفر الصخر بأنامله حتى وصل الى نجومية يحسده عليها الكثيرون ويغبطه المحبون شاب فنان من مخيم اليرموك السوري جمّع ألق النجوم من سماء الشام ونثرها في الأصقاع حيث أسس فرقته الراقصة «إنانا». افتتح معرض الكتاب في الدوحة بلوحة «صقر قريش» وهو عبدالرحمن الداخل الذي لُقّبه الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بهذا اللقب لكونه تغرّب وقطع البر والبحر وأقام وحده ملكاً قد أدبر بعد سقوط الخلافة الأموية على يد العباسيين وافتتح الثغور وقتل المارقين وأذل الجبابرة وأول داخل من ملوك بني مروان الى الأندلس التي مازالت تحت الحكم الأموي في ذلك الوقت، خلال رحلة طويلة استمرت حوالي ست سنوات آنذاك وهو يحمل الشام بين ضلوعه بعد أن فرّ منها وأنّى يفرّ السوريون يحملون أمجادهم ويعودون بها.. ما هو هذا الرقص الذي ينفض عن روحك الغبار ويحمل لك التاريخ على طبق من نغم؟! جهاد مفلح رقّص التاريخ، إيماء وإيحاء، حركة أجساد متناسقة متناغمة تقدم لك جرعة عالية من الفنّ العريق الذي وصله الإنسان بتراكمية حضارية لا تقولوا لي ان الغرب أبدعة قبلنا! لو كانت وسائل الاتصال كما هي عليه اليوم لسجل التاريخ إبداع هذا الفن من قصور قرطبة واشبيلية قبل أن تضيء لمبة في فرساي. لماذا انقطع حبل حضارتنا بهذا الشكل المميت؟! شيء يُبكي ويوجع.. لقد اهتم صقر قريش بإنشاء جيش قوي لكنه اهتم أيضا بالعلم واهتم كثيرا بالعلماء والأدباء.. يقال إنه لم يكن له وزراء كثر، بل كان له حاجب فقط كما فعل أسلافه الخلفاء الأمويون وترك إرثاً قوياً للعرب المسلمين استمر حوالي 300 سنة أنعش فيها الأندلس ودُفن فيها. ليتنا ننعش ما تبقى من وطن كي لا «نبكي كأبي عبدالله الصغير مثل النساء ملكاً مضاعاً لم نحافظ عليه مثل الرجال».