17 سبتمبر 2025
تسجيلفي المسيرة الضخمة التي نظمت في باريس قبل أيام تنديدا بالهجوم الذي وقع على الصحيفة الفرنسية، وقتل في هذا الهجوم بعض الرسامين بالصحيفة، وبعض رجال الأمن الفرنسيين، بينهم رجل الأمن الفرنسي/ المسلم أحمد مرابط، واللافت في هذه المظاهرة الكبيرة ظهور بنيامين نتنياهو يتقدم الصفوف، وكأن الإسرائيليين أبرياء من الإرهاب، وفي دولة مغتصبة، اغتصبت وقتلت وانتهكت القوانين الدولية التي صاغتها الدول الكبرى نفسها!! ولا شك أن الإرهاب الإسرائيلي، معروف ولا يحتاج إلى كشف، لكن الإشكالية أن المعايير الدولية للأسف مقلوبة، وهناك نفاق دولي، وكأن الإرهاب ماركة مسجلة باسم العرب والمسلمين، وهذه قضية تظل ملتبسة، ولن تحل مشكلة التطرف والإرهاب، مادامت المقاييس غير عادلة للتعاطي مع قضية الإرهاب باعتبارها قضية عالمية، وليست تقترن بشعب أو أمة بعينها، للأسف إن البعض يريد أن يجعل الإرهاب في العرب والمسلمين دون غيرهم! المشكلة الأشد التباساً وغموضاً في عالم اليوم هي عدم التفريق بين الإرهاب كظاهرة مرفوضة وبين حق النضال المشروع.. فمن غير المفهوم تركيز الانتباه كله على حادثة مرفوضة بينما يتجاهل جرائم أو كوارث تقع على أمم بأكملها ولا تلقى نفس الاهتمام والوصف على مرتكبيه، فالإرهاب يتم استخدامه بشكل انتقائي عشوائي وفق تكييف محدد لتمييز الأعمال غير المرغوب فيها والتي يقوم بها خصوم المرء على الساحة الدولية وبهذه الصفة فإن عدداً من الجرائم المحددة جيداً يتم تصنيفها بـ(الإرهاب الدولي) وهي تختلف عن ذلك التصنيف السابق فالإرهاب الإسرائيلي سبق وأن مورس منذ قيام إسرائيل وسلسلة الجرائم والمجازر التي ارتكبت ضد العرب أكثر من أن تحصى لكن شواهدها لا تزال ماثلة كمجزرة قلقيلية ومذبحة الحرم الإبراهيمي ومجازر دير ياسين وكفر قاسم وقانا وغزة مؤخراً، وذلك بهدف ترهيب السكان وترك أراضيهم ومنازلهم، واعترفت بيانات وتقارير جمعية حقوق الإنسان ومقرها شيكاغو بهذه الجرائم الإرهابية، فإرهاب الدولة العبرية فاق كل التصورات ومع ذلك تسمى أفعالها بأنها دفاع عن النفس!. ولعل أصدق تعبير في هذا التوصيف في تسمية (الإرهاب) ما قاله السياسي اللبناني د/سليم الحص في معرض حديثه قبل سنوات، عن مسألة الخلط والتحريف في تعريف الإرهاب.. "إذا كانت مصادر القرار في الغرب تصر على اعتبار نضال المقاومين الأبرار إرهاباً أو تصر على جعل كل أعمال العنف في سلة واحدة فلا تعترف بالفارق بين إجرام المجرمين ونضال الشرفاء فعلينا بتذكير الدول الغربية بتاريخها، وقد حفل في لحظات مفصلية بحروب تحررية، وكيف يفسرون حقيقة لا مراء فيها وهي أن الشعب الفلسطيني لم يكن متهماً بالإرهاب قبل خمسة وعشرين عاماً ولا كان الشعب اللبناني متهماً بالعنف قبل ستة عشر عاماً، ليسألوا أنفسهم عما حصل ليجعل من هذين هدفاً لمثل هذه الاتهامات. عند ذلك سيكشفون أسباب الظاهرة التي يشكون منها وعند ذلك يستطيعون وصف الدواء الناجع الذي يضمن الحول دون انتشار الطاعون لا بل والقضاء عليه في منشئه. فالإرهاب كما تحدده المصطلحات السياسية هو أسلوب من أساليب الصراع الذي يقع فيه ضحايا بصورة جزافية أو رمزية كهدف إيقاع أذى أو عنف فعال لطرف آخر، دون أن يكون هناك هدف أسمى للعمل الإرهابي. لكن الإشكالية التي تسهم في غموض هذا المصطلح وجعله أكثر التباساً، هو عدم التفريق الدقيق بين الإرهاب كظاهرة عالمية، غير محدد بدولة أو بشعب أو بعقيدة، وبين كفاح الشعوب ونضالها لنيل حقوقها المشروعة في التحرير ومحاربة المحتل والمستعمر. وهذه بلا شك قضية محورية يجب أن توضع في مكانها الصحيح، وتنضبط وفق مقاييس دقيقة وثابتة بعيداً عن الأهواء والميول والاتجاهات الأيديولوجية واختلافها. فمصطلح الإرهاب يستخدم أحياناً بطريقة انتقائية وتلصق أحيانا على أعمال لا تندرج ضمن مفهوم التعريف المشار إليه آنفاً، وهذه مسألة تثير الارتياب في تعريفات بعض الدول للإرهاب ومنها الولايات المتحدة على وجه التحديد.والذي يدعو إلى الأسف أن مصطلح الإرهاب لا يزال ورقة يتلاعب بها الكثيرون ويتقاذفون بها كالكرة فيما بينهم، وكل يوصم الآخر بالإرهاب وكل مشكلة داخلية يعانيها بلد ما، ترفع التهمة الجاهزة على البعض الآخر بالإرهاب، وبدلاً من اتخاذ الوسائل السلمية والقوانين المرعية، وحقوق الإنسان لحل هذه المشكلات ـ والتي تختلف من بلد إلى آخر ـ فإن شعار الإرهاب بات الآن سيفاً مسلطاً بلا معايير دقيقة لتقييده، وهذه إشكالية ربما تساعد في ازدهار الإرهاب لا في استئصاله، ورغم أن الإرهاب قضية عالمية إلا أنه بقي خارج دائرة الاتفاق لجهة تعريفه، رغم ما تضمنته قواميس اللغة وكتابات الفقهاء من اجتهادات للتعبير عن الظاهرة، لكنها لم تفلح جميعها في وضع ضوابط ومعايير محددة للفصل بين الفعل الإرهابي وما سواه، الأمر الذي أدى حتى بأولئك المهتمين بدراسة هذه الظاهرة، إلى مواصلة بحوثهم ودراساتهم دون الاكتراث بتعريفها، وعدم الاتفاق على تعريف محدد للإرهاب نابع بالدرجة الأولى من تسييسه، ووضع الاعتبارات القانونية خارج الحسبان، رغم هويته القانونية في الأساس، وقد أدى ذلك بدوره إلى اختلاط الأوراق وتباعد المواقف، فلم يعد مستغرباً أن نشاهد حكومات، أو جماعات ترتكب حماقات وتقوم بأعمال الإبادة البشعة بحق الإنسان، باسم مكافحة الإرهاب، ولم يعد خافياً أن يستخدم الإرهاب جسراً لتحقيق أهداف ومكاسب شخصية أو حزبية أو قومية أو إسلامية. وليس أقوى داعم للإرهاب وثقافة العنف مثل تجاهل أسبابه الكامنة والموضوعية لقيامه وانتشاره في المجتمعات الحديثة، خاصة في عصر الثورة المعلوماتية والعولمة في جانبها السلبي، فإن التطرف والإرهاب سوف يعشش ويقتات من هذه السلبيات التي تزداد بازدياد أنظمته العالمية الجائزة والمجحفة في تعاملها الاقتصادي وفق النظرية الدارونية البقاء للأقوى، بدل البقاء للأصلح. فظاهرة الإرهاب والتطرف ظاهرة مركبة ومعقدة ومن الأنصاف أن تكون النظرة إليها شاملة ومتوازنة ولا تقف عند عامل واحد فقط ونغض الطرف عن الأسباب الأخرى التي ربما تكون هي العامل الحاسم في هذه المشكلة أو الظاهرة التي تجتاح العالم كله وليس عالمنا العربي والإسلامي فقط، فالبعض يرجع قضية الإرهاب والتطرف إلى الجهل وقلة العلم والفهم بأمور الدين والدنيا، والبعض الآخر أيضا يراها نتيجة من نتائج الفقر والبطالة في العديد من المجتمعات العربية، والبعض الآخر أيضا يراها نتيجة من نتائج القمع السياسي والاستبداد وغياب الحرية والديمقراطية ويراها البعض الآخر مشكلة نفسية واجتماعية وأسرية.. إلخ.الخلاصة أن الإرهاب والتطرف قضية أكبر من أن تختزل في قضية لوحدها معزولة عن الأسباب الأخرى، ومن الإنصاف أن تتم دراسة كل ظاهرة بما تستحقه من التعمق والبحث والاستقصاء حتى تكون المعالجة والتقييم شافيا وناجعا من آثارها ومؤثراتها.