17 سبتمبر 2025

تسجيل

ربيع العرب ومجتمع النمل

18 يناير 2012

قد يبدو العنوان غريبا والمقارنة عجيبة حين نعقد تشابها بين مجتمع النمل ومجتمعات العرب ما بعد التوق للإصلاح والعودة للتاريخ. ولعل ما يغيب عن أذهان بعض القراء الكرام هو أن الله سبحانه خص النمل بسورة في كتابه العزيز وأن أحد الكتب العلمية الأكثر رواجا هذه الأيام في الغرب هو كتاب (ثورة النمل) للعالم الفرنسي (برنار وربار) الذي تفوق في علوم البيولوجيا والهندسة الوراثية وسلوكيات الحشرات. ولعلنا نحن العرب المسلمين أجدر بالتأمل في مقارنة مجتمعات النمل بمجتمعاتنا وهي تبحث عن سبل تحقيق المصير الأفضل. إن الله تبارك وتعالى خص النمل بالسورة السابعة والعشرين المكية التي تروي قصة وصول سليمان عليه السلام وجنوده من الجن والإنس والطير إلى وادي النمل (الآية 18 و19): حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ و هنا نعود إلى العالم برنار وربار فهو يقول: إننا نحن البشر نخطأ في تقدير ذكاء الحيوان لأننا نقيس هذا الذكاء المزعوم بمعاييرنا البشرية كأن نقول مثلا إن القرد ذكي لأننا إذا أعطيناه سيجارة دخنها مثلنا ولا نتأمل في مدينة النمل وهي مدينة بأتم معاني الكلمة بل أفضل بكثير من مدننا البشرية. ويضرب العالم مثلا بمدينة باريس قائلا أن فيها 13 مليون نسمة وهي تعاني من وجود 100 ألف متسكع ومحروم من السكن ومن التلوث والعنف والجريمة والمخدرات وتراكم الفضلات وانسداد المجاري ونقص الحدائق وإهمال كبار السن والمعوقين والأطفال دون رعاية بالإضافة إلى ازدحام السجون ونقص المستشفيات وهي من أمراض العصر وآفات التصنيع والهجرة من الأرياف، في حين تتشكل مدينة النمل في غابة الأمزون من 50 مليون نملة ولن تجد من بينها نملة واحدة جائعة أو متروكة لمصيرها. يقول العالم الفرنسي بأن مدينة النمل أقرب للتكافل الاجتماعي من أي مجتمع بشري لأن النمل إذا وجد كدسا من قمح فلن تستأثر به أقلية قوية بل يوزع بعدل عجيب على جميع النمل وهو عكس سلوك الإنسان الذي هو أناني بالطبع ومحتكر بالسليقة وظالم بالغريزة. فالنمل يتنادى بلغته إذا حصل على غنيمة من أجل أن تأخذ كل نملة منها نصيبها (أليس القرآن هو الذي ذكر بأن النملة نطقت: قالت نملة يا أيها النمل.....). تأمل يا قارئي الكريم نداء النمل لبعضها البعض من أجل اقتسام الرزق بعدالة نسميها نحن عدالة اجتماعية ولا نطبقها ويقول العالم الفرنسي بأن هذه هي روح المواطنة التي اهتدى إليها النمل ولم تحققها بعد مجتمعاتنا العربية. ويضيف (برنار وربار) بأن النمل ربما يعتبرنا نحن البشر عديمي الذكاء لأن الذكاء يتشكل من مكونات ثلاثة هي 1) الذاكرة 2) القدرة على التأقلم مع المحيط 3) الخيال. ويستنتج العالم صاحب كتاب (ثورة النمل) بأننا نحن البشر صنعنا ذاكرات إضافية مثل الكمبيوتر لكننا نعيد غالبا نفس الأخطاء ونرتكب نفس المعاصي (كالحروب مثلا...) كما أن قدرتنا على التأقلم مع المحيط تبقى محدودة لأننا عادة ما نريد إخضاع الطبيعة والبيئة لإرادتنا عوض الخضوع لهما. يقول العالم بأن النمل تحصن تدريجيا ضد المبيدات الحشرية التي يضعها الإنسان في الحقول وتمكن من البقاء بينما نحن أبادتنا الأسلحة في الحروب ولم ننج منها كما أن النمل لا يبني مدنه في جرف هار أو في مجرى نهر بينما نحن نسكن مناطق مهددة بالفيضانات والانجرافات ونهلك! وأغرب ما توصل إليه (برنار وربار) هو أن مدن النمل تنظم نفسها بانضباط عجيب متطور فلا شرطة ولا محاكم ولا قوانين إلا ذلك السر الإلهي المودع في مدن النمل. ثم لا ننسى أن الله تعالى قال في محكم آياته: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) فالنمل أمة مثلنا بل وأفضل منا ونحن لا ندري. وإني لهذه الأسباب أدعو أن يستلهم الربيع العربي من هذه المعاني الجليلة ما ينهض بالعرب وما ينير بصيرتهم ويفتح أبصارهم لعلنا نبلغ يوما نرى فيه المجتمعات العربية أقرب لمجتمعات النمل في سر تضامنها وأوج تنظيمها وعز تكافلها وأصيل ديمقراطيتها. فاعتبروا يا أولي الألباب.