11 سبتمبر 2025

تسجيل

عاصفة النار في باريس

17 نوفمبر 2015

التفجيرات الدامية التي هزت العاصمة الفرنسية باريس والتي أودت بحياة 128 شخصا وجرحت العشرات، تضع اللمسات الأخيرة لعام عصيب من عواصف النار والبارود في فرنسا، لا يمكن تبرير هذه التفجيرات، فهي تفتقر للإنسانية والأخلاق، تستهدف أناسا أبرياء وتشكل انزلاقا يائسا إلى حالة من الإسفاف والإجرام وإراقة الدماء المرفوضة تماما.لكن ورغم فظاعة ما جرى في فرنسا من إراقة للدماء في يوم واحد، فإن عالمنا العربي يشهد يوميا مثل هذه المجازر، بل وأكثر منها، وهذا يتطلب "المساواة بين الضحايا"، ولا يجوز التمييز بينهم، وهذا ما يجعل من الانتقائية الأوروبية حالة "مخزية"، فالضحايا هم الضحايا، ولا يوجد ضحية "دمها أزرق" وأخرى "دمها أحمر"، فالفلسطيني الذي تقتله آلة الإجرام العسكرية الإسرائيلية الصهيونية "ضحية"، والفلسطيني الذي يقتله المستوطنون اليهود المتطرفون الإرهابيون "ضحية"، والطفل الفلسطيني الذي يضعون البنزين في فمه ويحرقونه حيا "ضحية"، وعائلة الدوابشة الفلسطينية التي قتلها الإرهابيون اليهود حرقا أيضا "ضحايا"، والسوري الذي تقتله براميل الأسد المتفجرة "ضحية" والعراقي الذي تقتله المليشيات المتطرفة والحكومة الطائفية "ضحية"، واليمني الذي يقتله الحوثيون "ضحية" والليبي الذي يقتله حفتر "ضحية".. تماما مثلما أن الفرنسي الذي قتلته داعش في باريس "ضحية".. كلهم ماتوا ظلما وعدوانا، ولذلك لا يجوز التفريق بين "ميت وميت".لقد غزا الغرب العراق بقيادة أمريكا من أجل جعل العالم "أكثر استقرار"، وها هو يمور مورا وكأنه بركان يفور، وتركوا بشار الأسد يمارس إجرامه في سوريا حتى قتل 300 ألف سوري، على مرأى ومسمع من العالم كله، وصمتوا عليه لأنه "صديقهم"، فأي ميزان عدل يتجاهل قتل 300 ألف سوري بريء. الغرب مسؤول عن مأساتنا ومأساته حاليا، فهو الذي زرع بذور الشر في منطقتنا، وهو الذي زرع سايكس – بيكو ووعد بلفور والكيان الصهيوني، وأنظمة الاستبداد التي يساندها ما دامت تخدم مصالحه، وساند الانقلاب على الديمقراطية وأيد انقلاب السيسي في مصر، ووفر الغطاء لحصار غزة الإجرامي، ويمنع محاسبة الكيان الإسرائيلي، وأيد الإطاحة بأول تجربة ديمقراطية فلسطينية، وغزا العراق وحوله إلى فتات دولة وكيانات طائفية، وترك الأسد يحرق الأخضر واليابس في سوريا لأنه لا يوجد "بديل أفضل"، وهو الذي يبرم الصفقات مع إيران رغم جرائمها في سوريا والعراق.هنا أصل الشر والخراب، وهنا منبع الدماء التي تفور حتى وصلت باريس، ومن عباءة الاحتلال الأمريكي في العراق وتجاهل الإبادة الجماعية في سوريا خرجت التنظيمات الدموية، لتقتل بلا رحمة ولا شفقة، كل ساعة، وما عاشته باريس ومن قبلها نيويورك ولندن ومدريد ما هي إلا "عينات" من الموت الذي يعيشه كل العراقيين والسوريين والفلسطينيين والصوماليين والليبيين واليمنيين وأهالي سيناء في كل لحظة.عاصفة النار في باريس هبت من المرجل الذي يغلي في سوريا والعراق وفلسطين ومصر وليبيا والصومال واليمن، وهي عاصفة لن تكون الأخيرة بالتأكيد ما لم يتم إطفاء النار في هذا المرجل.وما دام الغرب قد صار جزءا من المشهد الدامي، فإن عليه أن يتحرك من أجل وقف إجرام الأسد والحكومة الطائفية في العراق ووقف الإجرام الإسرائيلي وإزاحة الانقلاب في مصر ووقف دعم حفتر في ليبيا، وكف يد إيران ومليشياتها في المنطقة، وبغير ذلك فلن يكون أي حل أبدا، وسيسقط المزيد من الضحايا هنا وهناك.