13 سبتمبر 2025

تسجيل

مأزق الإبداع أم النقد؟

17 نوفمبر 2013

تدخل الكهف، تُفتح أمامك آلاف الأبواب الموصدة، يقودك كل واحد إلى رتاج كبير، لكنك تتخطاها جميعاً. تقول في سرك: مغارة كبيرة، لكنني لابدّ أن أصل إلى مكان الجوهرة.. يقودك حب الفضول والتملك، تقف أمامها مشدوهاً، تلمسها ولا تحركها، تزيل عنها بعض الغبار، تستطلع مخمل ما ترسو عليه، تعاينها غير أنك تستحرم أن تحملها معك وتقض مضجع الخليقة بها. تحدث نفسك: سآخذها في المرّة الثانية وأكتفي الآن بالكتابة عن أوصافها.. مراراً وتكراراً تعود دون أن تأخذها، يضنيك التعب وتصرف أوقات حنينك ومحاولات نزفك خوفاً من حيازتها، حتى إذا نلتها تنتهي وتتوقف عن الكتابة. هكذا توقف رامبو في اللحظة الأخيرة عندما أخذ جوهرته، شعر أنه شوّه الكون فصمت إلى الأبد! لماذا يصرّ الكثيرون على اللاصمت مع أنهم لم يدخلوا يوماً كهفاً من "أشدّ كهوف اللاوعي ظلمةً وكلمة"؟! لماذا يسمح هذا الزمن البائد باستقبال أقلام مزيفة وجواهر مصنعة من المستحاثات. تعالوا نحصي جواهر الكون النادرة، تعالوا نصغي إلى المطر الأول وهو يسقط بهدوء.. هكذا تأتي أصالة النص لينعش الفؤاد ويخلق حالة من الوصال الحميم بين المبدع والمتلقي، لكنه زمن اللا أحد، دجن الإبداع فتخزّن كبضاعة كاسدة.. وهذا تقريباً ما حصل في مجمل ثقافتنا العربية، إضافة إلى التشويش العام الذي يغلّ طرائق تفكيرنا وتربية أجيالنا، زد عليها المحاولات المستميتة من أجل طمسنا واقتلاعنا من جذورنا وتصديع وعينا، حتى لتجد الإنسان العربي، لاسيَّما المثقف المبدع، يقف بنمو تفكيره على خطين متوازيين لا يلتقيان، نصف عميق في التراث وآخر مشتت ومنثور كالهباء. من هنا تظهر حالات التطرف التي نراها على ساحاتنا المعرفية والثقافية وحتى الدينية، لتُنتج برمتها عجيناً غير متخمّر وخبزاً عويصاً، فكيف للناقد إذاً أن يجعل هذه المادة شهية إذا لم تكن مستوفيةً لأسباب جبلّتها، ومستجيبةً لنضج كينونتها؟!