11 سبتمبر 2025
تسجيلربما نقترب من الصواب أكثر إذا قلنا إن الإسرائيليين كانوا أكثر من العرب قلقا انتظارا لمعرفة الساكن الجديد للبيت الأبيض، وهل يستمر باراك أوباما الذي عرفوه شخصا ضعيفا يدافع عن مصالح إسرائيل حتى من دون الضغط عليه من اللوبي اليهودي، حتى إنه تحمل صلف بنيامين نيتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي جاهر إبان الحملة الانتخابية بالاقتراب من المرشح الجمهوري ميت رومني، ومع ذلك كان نيتانياهو أول من اتصل بهم الرئيس الأمريكي الفائز ليطمئنه على استمرار التحالف الاستراتيجي بين الطرفين. الموقف في إسرائيل لم يكن كله لمصلحة أوباما، فاليمين الإسرائيلي اتجه نحو رومني وأيده بالأموال عن طريق الملياردير اليهودي الأمريكي شيلدون أديلسون، الذي مول ببذخ حملة رومني الانتخابية، وهذا انطلاقا من رغبة أنصار اليمين في قدوم رئيس جديد غير الديمقراطي هذا الساكن القديم رغم ما أعطاه لهم في ولايته الأولي،ولكنه بالطبع نوع من الابتزاز المعروف. فيما كان اليسار يدافع عن أوباما ويحبذ نجاحه لاستمراره في ولاية ثانية. الموقف في إسرائيل لا يزال متوترا حتى بعد انتهاء الانتخابات الأمريكية، فالانتخابات البرلمانية المبكرة على الأبواب، واليمين واليسار والوسط يسعون جميعا لنيل الرضا الأمريكي لأن الناخب الإسرائيلي غالبا ما يطمئن للتكتل الأقرب إلى قلب واشنطن ويمنحه صوته. هذا رغم أن غالبية الإسرائيليين كمواطنين وليس سياسيين لا يفضلون أيا من المتنافسين الأمريكيين، فوفقا لنتائج استطلاع للرأي لأحد المواقع الإسرائيلية، أيد 195 مشتركا أوباما، ردا على السؤال: من الأفضل للشرق الأوسط؟. مقابل 41 صوتا لرومني، ولكن الأغلبية الساحقة، 732 صوتا اختارت "لا أحد"، مما يدل على عدم رضاء نحو سياسة الولايات المتحدة في المنطقة. نعلم أن أوباما هو الذي فاز في السباق وبدأ جولة آسيوية سريعة من أجل تعزيز التواجد الأمريكي في منطقة الباسيفيكي، ولكن الإسرائيليين يلاحقونه بتوقعات قد يراها الرئيس الأمريكي سخيفة، مثل أن الولايات المتحدة في عهده ستفقد دورها كدولة عظمى وأن واشنطن تلك العاصمة التي تجذب كل سياسي العالم، سينهار دورها القيادي في العالم، مع أفول أمريكا، اقتصاديا وسياسيا. وثمة قول لباحثة إسرائيلية يؤكد أن الأمريكيين انتابتهم الشكوك في قدرة بلدهم، المسمى "بلد الإمكانات اللانهائية"، على تحقيق الحلم الأمريكي المنشود، والحفاظ على مستوى معيشة عال. وللأسف نجد العرب متفائلون بفوز أوباما لأنه وحسب توقعاتهم فإنه سيميل نحو القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، على غرار ما فعل بيل كلينتون في ولايته الثانية وحاول أن ينهيها بالتوصل إلى اتفاق سلام تاريخي بين الإسرائيليين والفلسطينيين ولكنه فشل. وحجة العرب في هذا هو أن أوباما سيتحرر من قيوده الداخلية ومن تحفظات اللوبي اليهودي وسيتفرغ أكثر للقضايا الدولية وبالقطع العربية ليهتم أكثر بملفات سوريا وإيران وفلسطين ولبنان وليبيا. ربما يكون كلام هؤلاء صحيحا، خاصة وأن أوباما لم يعد رئيسا مبتدئا رغم فصاحته المعهودة، فالفوز بولاية ثانية لم يحصل عليها جورج بوش الأب رغم أنه الذي أعاد للأمريكيين ثقتهم في أنفسهم منذ حرب فيتنام وهو الذي أعاد الجنود الأمريكيين رافعي الرؤوس بعدما عادوا منكسي الرؤوس من حرب فيتنام. بيد أن الأقرب للواقع أن أوباما وإذا كان سيتحلل من قيود الولاية الأولي، إلا أنه لن يعمل على إصلاح التشوهات التي لحقت بالسياسة الأمريكية الخارجية، وعلى سبيل المثال، قتل أسامة بن لادن، فرغم أن هذا عمل بطولي لأوباما في نظر الأمريكيين، ولكنه عمل خسيس في نظر العرب والمسلمين، ناهيك عن انتهاك حقوق الإنسان للمواطن الأفغاني والباكستاني وما قام به الأمريكيون في العراق، خاصة عندما سلموا هذا البلد لإيران تسليم مفتاح. غير أن هذا لا يعنى أن الرئيس أوباما سيكون أمريكيا مائة في المائة، فأمامه تحديات عالمية أيضاً من أهمها تنفيذه وعده بإنهاء التورط العسكري الأمريكي في أفغانستان كما نفذ تعهده بسحب قواته من العراق. تحد آخر مهم بالنسبة للأمريكيين ويتعلق بمواصلة الحرب على تنظيم القاعدة، وإدارة ملف الأزمة مع باكستان، ومواصلة المواجهة مع إيران، والتعامل مع تداعيات ومضاعفات الانتفاضات والتغييرات التي عصفت ولا تزال تعصف ببعض الدول العربية، خاصة الحرب المدمرة في سوريا، ومضاعفات سيطرة اليمين الإسلامي على الحكم في تونس ومصر ودور هذا التيار في ليبيا وغيرها. كما أن الرئيس الأمريكي القديم الجديد على دراية تامة بالعلاقات المعقدة للغاية مع الصين التي تمثل ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وعلاقات متوترة بعض الشيء مع روسيا. وللمتفائلين من العرب أذكرهم ببضعة كلمات من خطاب أوباما في شيكاغو تعليقا على فوزه وتهنئته لأنصاره "أعود إلى البيت الأبيض أكثر تصميما على تحقيق مهمتي وتحسين أوضاع الأمريكيين". وهنا نقول إن أوباما صادق في كلمته، لأنه يعلم علم اليقين أن المواطن الأمريكي لا يهمه العالم الخارجي وأن جل اهتماماته هو تقليص الضرائب وتحسين مستوى الدخل والتعليم. وبالتالي لن يتبنى الرئيس الأمريكي في ولايته الثانية مواقف العرب ولن يكون نصيرا لقضاياهم، وكل من يعتقد هذا فهو خاطئ ويجعل تركيبة سكان البيت الأبيض. فواقع السياسة الأمريكية والفهم الصحيح والعميق لها خاصة تجاه منطقتنا العربية يؤكد أن أوباما لن يعمل لمصلحتنا سواء كعرب أو مسلمين ولكن ربما يجتهد لتحسين صورة بلاده بعد الشروخ والتشوهات الحادة التي أصابتها عقب التدخل في أفغانستان واحتلال العراق والانتهاكات البشعة لحقوق الإنسان وآدميته التي قام بها الجنود الأمريكيون في البلدين خاصة العراق. وقد تندم الولايات المتحدة على لعبتها المكشوفة عندما لعبت دورا أساسيا في تشجيع وخلق بيئة خصبة للإسلام السياسي في العديد من مناطق الصراع، لأن هذا التيار سينقلب على أمريكا وستدفع الثمن غاليا، فكما أسست تنظيم القاعدة وطالبان وانقلبا عليها، فاليمين الإسلامي الذي تتعامل معه واشنطن الآن كفصيل حاكم في بعض الدول العربية، سيضع أمريكا في حرج في وقت لاحق، لأنه من الطبيعي أن ينقلب السحر على الساحر. وإذا استبعدنا الأزمة السورية لكونها أزمة عابرة ستنتهي حتما بالإطاحة ببشار الأسد القاتل، فإن القضية المركزية للعرب وهي القضية الفلسطينية ستظل محورا أساسيا في التعامل العربي – الأمريكي، رغم أن السلطة الفلسطينية تتخوف من إدارة أوباما حيث إنها تعتزم كشف موقفها النهائي فيما يتعلق بمشروع الذهاب إلى الأمم المتحدة. ولذا، هي تنتظر معرفة البوصلة الأمريكية الجديدة لتقديم طلب رفع تمثيلها في الجمعية العمومية لتصبح "دولة غير عضو". وأيا كان الموقف، فإن أوباما أو حتى رومني، فإن السياسة الأمريكية لا تتعامل مع العرب كقوة يحسب لها حساب، وإنما وفقا لمصالح واشنطن فقط، وبالتالي، لا يهم من هو القابع في البيت الأبيض لأننا نحن العرب نفتقد للقوة المطلوبة لكي تتعامل معنا واشنطن بحيادية وندية.