13 نوفمبر 2025
تسجيلتستضيف إحدى المدن الخليجية البارزة على مستوى العالم نجمة الواقع الهوليوودية (كيم كاردشيان) وسط اهتمام إعلامي غير مسبوق لهذه المرأة المشهورة بأنها صاحبة مغامرات عاطفية لا تعد ولا تحصى.. وأنا لست ممن يقيمون سياسة هذه المدينة التي تعد قبلة مفتوحة جداً لكل مظاهر السياحة غير المقننة والتي لا يعد أي شئ فيها من المحرمات أو الممنوعات.. ولكني أستغرب ذلك الإعلام (الخليجي والعربي) الذي سقط على رأس كاردشيان كما يتساقط الذباب على الجيف المتعفنة.. أستغرب من الصحفيين الخليجيين والعرب الذين تسارعوا حينما طلت (كيم) من بوابة القادمين للمطار وكيف حاولوا التقاط الصور والأحاديث السريعة وتسجيل الانطباعات الأولى لفتاة هوليوود لدى قدومها لمدينة خليجية ستلقى فيها ما تريده حتى وإن أرادت متابعة فضائحها المخزية فلا فرق بين هناك وهنا!!.. فماذا دها إعلامنا ان أصبح همه ملاحقة مثل هؤلاء الذين لا قيم ولا دين ولا انضباط لهم وسط مخاطر لم تعد محدقة بالأمة بل إن الأمة تغرق في توابعها ويكاد أن يفنى كل شيء حي وملتزم فيها؟!!.. من هي تلك (الكاردشيان) لتكون الملكة غير المتوجة التي استقبلتموها بالورود وثياب (النشل) الخليجية وتوجتم رأسها بالذهب ويديها بكفوفه؟!.. من هي تلك التي صرحت أثناء العدوان على غزة من قبل القوات الإسرائيلية الآثمة وهي ترى أجساد الأطفال البريئة تحت ثقل البيوت المدمرة بأن إسرائيل تدافع عن أمنها وأمن أطفالها؟!!.. هل هذا هو الجزاء وهذا هو الثواب الذي يجب أن يكون لإمرأة مثلها؟.. أن نكسوها بالذهب ونستقبلها مثل الأميرة وهي أصغر من أن نقبل وجودها على أرضنا؟!.. إلى متى سيكون إعلامنا مغررا به إلى هذه الدرجة التي لم تعد تفرق بين غث تافه وسمين غني مهمل؟!..إلى متى سنظل أسرى ننتظر ما يتمخض عنه الرحم الغربي من توافه مشوهة لا ترقى بنا وبديننا وقيمنا وانضباطنا؟!.. لماذا ننسى الأهم والمهم ونتعلق بتلابيب هشة خرقاء لمجرد أنها تلمع زيفاً؟!.. فما الذي فعلته هذه (الكيم) لكي تجد هذا الاستقبال المهيب وملايين من اللاجئين الفلسطينيين ترفض دول عربية استقبالهم وإيواءهم إلا بقليل من الخيم والمساعدات رغم تورط حكوماتها في تأكيد وتثبيت الاحتلال الإسرائيلي لأراضيهم، فلا هم يعيشون في دولتهم ولا يلقوا دولا بديلة لها؟!!.. فهل تسمون ذلك كرماً؟!..فقد سمعت عن إكرام الضيوف لكن مثل هذه وغيرها حرام عليهم أن يكن ضيوفاً في دول خليجية عربية إسلامية يجب أن تتمتع بأقل صفات المؤازرة لكل شعب متضرر من دولة (كيم كاردشيان) وغيرها.. وليس من اللائق انه في الوقت الذي لا يلقى الطفل الفلسطيني مدرسة ليتابع فيها سنته الدراسية التي ألغاها العدوان الإسرائيلي الإرهابي وحولها قسراً إلى إجازة صيفية مبكرة؛ نرى بيننا من يستقبل أشخاصا يلقون في دولهم اهتماماً غير اعتيادي استقبال الفاتحين وكأن كيم تنتظر الضيافة منا رغم استطاعتها استضافة شعوب على حسابها!!..فإلى متى هذا التظاهر بالحداثة الفارغة ومحاولاتنا المستميتة لأن نعبر عن تطورنا بينما مضمون العمل وآلية ترجمته يسيران إلى التخلف بعينه؟!.. وطبعاً هذا ما يتفاخر الغرب بنجاحه بيننا بكل اقتدار.. هكذا يريدوننا أسرى الشهوات والملذات والغناء واللهو، وما هو مهم فعلاً فهو كفاف لا يليق بسمعتنا كدول خليجية نفطية كبرى تغرق في ثراء فاحش!.. هكذا يحبوننا وهكذا يريدوننا ونحن لا نحتاج لكثير من الجهد لنكون كما يودون.. قليل من الغناء وكلمات الحب والهيام وكثير من الإغراءات الأنثوية الجسدية وتسليط الضوء على نجومهم والباقي اتركوه علينا!. صدقوني إنني أكتب هذا المقال وانا أستعرض صور استقبال كيم كاردشيان ومشاهد من الاحتفالية الضخمة التي جرت لها للأيام الأولى من استقبال أقل ما يقال عنه انه لإحدى الملكات فقط لتجميل صورة العرب في ناظريها.. وفي الجهة المقابلة أرى الأب الفلسطيني وهو يبحث عن لقمة يسد بها رمق عائلته، وطفلا يتجول بالشوارع الغارقة بالدخان والدمار في الوقت الذي يتنعم به أطفال العرب بفصول وكتب مدرسية وبإجازة صيفية هادئة؛ وأما لا تزال تحصي كل ليلة كم بقي من أطفالها ومن يمكن أن يغادرها صباح اليوم التالي!!..أكتب هذا المقال وأن أرى إعلامنا العربي الذي يهوي — بمزاجه — إلى حضيض تافه وهوامش فارغة من أي مضمون ولا معنى لها، بينما إعلام الغرب الجاد يمضي نحو تتبع تسلح دوله وقوتها واستقرارها وتمكينها من تثبيت هويتها كبلدان قوية يعمل لها ألف حساب وحساب، فلا يغلب اللهو على الجد لديه، على عكسنا تماماً فما أن تحدث مصيبة عربية حتى يتسابق الإعلام العربي في تغطية فصولها لتموت قبل أن تبدأ وينشغل بأشياء تغطي على أشياء أخرى، فهذا مقياس الاهتمام لديه وما يريده رتم الحياة ننساق إليه وما تحتاجه الأمة فعلاً من الإعلام لا تلقاه أبداً، وبالطبع تأتي أحداث مجزرة غزة التي نسيها الجميع بعد أن علقت إسرائيل عدوانها الإرهابي عنها رغم عدم كفها في الحقيقة عنه، لمجرد أن إسرائيل أخذت استراحة وخصص لها العرب مليارات من الدولارات الضائعة للإعمار، وتضيع غزة كما ضاعت المجازر التي سبقتها، والفضل لإعلامنا الناسي المتناسي بينما إسرائيل لاتزال في خطب رؤوس الشر لديها تذكر محارق اليهود التي حدثت منذ عقود والفضل أيضاً في ذلك لإعلامها القوي الذاكرة!.. لهذا إهداي يا فتاة فهل تساوي فتاة فلسطين المغبونة بفتاة هوليوود المدللة؟.. في نظري؟.. لا تساويها فلا يصح أن يساوى الذهب الخالص بقشور فاكهة مثل الموز إن ظلت صفراء شهية فهي بعد ساعة تعافها القمامة من رائحتها المنفرة!. فاصلة أخيرة: المعذرة.. إعلامُنا لا يعني إعلامَنا بكل ما هو معلوم أصلاً!!