17 سبتمبر 2025
تسجيلعدت من باريس أخيرا حيث حرصت على لقاء بعض الزملاء من كبار خبراء الجيوستراتيجيات و رؤساء المراكز الفرنسية المتخصصة في التوقعات السياسية و كانت هذه حصيلة ما استنتجته من تحاليلهم المركزة حول ما يتوقعونه في ملف اغتيال (أو فقدان أو إختطاف !) الزميل الكبير جمال خاشقجي. و أكدت لي زيارة وزير خارجية أمريكا الى الرياض ثم الى تركيا يوم الاثنين صحة تحليلاتهم كما أن الرئيس ترامب بعد مكالمته الهاتفية مع الملك سلمان تحدث عما سماه (جريمة القتلة المارقين!) أي الخارجين عن سيطرة السلطات السعودية ! يحلل أحد هؤلاء الأكاديميين العريفين بأسرار أنظمة الحكم العربية و ما يقرأه من تطورات مثيرة و غريبة لهذه القضية فيقول: أغلب الظن أن الصحفي السعودي جمال خاشقجي تمت تصفيته لأن إحتمال بقائه حيا مهما كان رجاؤنا يتضاءل يوما فيوم و ساعة بساعة و نحن نسجل أن التصريحات في أعلى قمة السلطة السعودية بدأت تتجه نحو إعتراف ضمني هلامي و بعبارات دبلوماسية محسوبة و متدرجة بأن الرجل أغتيل فعلا وذلك لإنعدام الحجة في تأكيد خروجه من مقر القنصلية السعودية بإسطنبول بعد أن تأكد دخوله لها من الباب الرئيسي بالصورة المرقمة و المؤرخة و لإنعدام الحجة أيضا في إثبات حتى مجرد المعاملة العادية و الروتينية التي جاء من أجلها الى مقر القنصلية بموعد حدده له القنصل العتيبي باليوم و الساعة وهي معاملة تتعلق بإجراءات إدارية قنصلية عادية من أجل إتمام عقد زواج مدني لمواطن سعودي يتجه للسلطة القنصلية خارج وطنه لإستخراج وثيقة حالة مدنية لا يستغرق إصدارها من موظف بسيط بالقنصلية أكثر من دقيقتين ! هذا هو تسلسل الأحداث الطبيعية (أو المفترض أن تكون طبيعية!) لكن الذي وقع لا يخضع الى منطق وسيظل طلسما غامضا مادام غير مفهوم و يعتبر كما قال أحد الخبراء أغبى عملية إغتيال سياسي في التاريخ الحديث إذا ما افترضنا الأسوء (وهو الأرجح اليوم بعد مرور أسبوعين من يوم 2 أكتوبر في إنتظار ما لدى الأمن التركي من معطيات يبدو أنها خطيرة) فإن المستقبل القريب سوف يشهد سيناريو أقرب إلى التالي حسب الزميل الفرنسي : لا مناص من الإعتراف الرسمي بأن الضحية أغتيل في مقر القنصلية (أو ربما تم تخديره و نقله الى أرض المملكة في عملية إختطاف نجد أمثالها في التاريخ السياسي لبعض الأنظمة الدكتاتورية العربية و الإفريقية و الأمريكية اللاتينية و حتى الروسية أو الأوروبية وهي عمليات مخابراتية تتشابه في حلقاتها غايتها تحويل وجهة شخص معين بصفة قسرية من دولة كان لجأ إليها إلى دولته الأصلية التي تلاحقه و لا تظفر به بالطرق الأنتربولية أو الدبلوماسية القانونية !) يؤكد الزميل الفرنسي الخبير في الشأن الخليجي أن إعتراف السلطة السعودية بالجريمة وارد لكن بإخراج جديد لأن التداعيات التي إنجرت على العملية جاءت كلها غير متوقعة بل مفاجأة لمن خطط لها و أمر بتنفيذها بل مغايرة لما حسبه الفاعلون الأصليون من نتائج لأنهم أساؤوا تقدير حجم الكارثة الدولية لفعلتهم ! الإخراج حسب هؤلاء الخبراء هو أن تمسح سكين الجريمة في شخص واحد و بالطبع في أشخاص منفذين إئتمروا بأوامره هو شخصيا دون علم السلطة الرسمية المشرفة عليه و اليوم حسب الخبراء يجري التشاور في أعلى هرم السلطة و الأسرة في الرياض على الدرجة الوظيفية أو الدبلوماسية التي سيقع التضحية بها و إتهامها بالقيام بمبادرة شخصية لم يستشر فيها رؤساءه بل خطط لها وحده و نفذها بقرار فردي بإعانة أعوان أخرين قد يكونون موظفين أو مرتزقة !! و يمكن طبعا أن يتم التمويه بأن تطالب السلطات بالمتهم بهذه الفعلة الفردية المعزولة و إدانته ! و يرحل الى بلده الأصلي و يحكم عليه بالقصاص وربما يدعى ولي الدم (ابن الضحية الأكبرصلاح خشقجي !) ليأذن بأن تأخذ العدالة بثأر جمال أو بالتخلي عن القصاص حسب الشرع المعمول به في المملكة ! ولكن هذا السيناريو سيظل مشروطا حسب الخبير الفرنسي بضمان حصول تغييرات كبيرة على رأس السلطة تقع تدريجيا مما سيغير من الخارطة السياسية للمنطقة و يفتح الباب لتعافي الخليج مما يهدده اليوم من إنقسام و تفكك ! أنا أسوق هذه التوقعات لا من باب الرجم بالغيب و لا من باب التنجيم فالعلاقات الدولية تظل علما من العلوم يخضع كغيره للاستشراف المستقبلي لا للتأويل و الافتراضات وهو الدور المنوط بالمراكز البحثية الجادة التي تساهم بقسطها في بلورة السياسات و صناعة القرار و توجيه أصحاب السلطة الى أقوم المسالك. نحن أمام حالة فريدة من التخبط و الإرتجال لا نرى لها سابقة من حيث ارتدادها على فاعليها بقوة وسرعة فائقتين و لعلها تمهد لمرحلة جديدة من عودة الوعي و من تعزيز مبدإ دولة القانون و العدل و من الإنخراط الضروري و المستعجل في منظومة الدول المسالمة المؤمنة بالسلام و الأمن و مقاومة كل أشكال الإرهاب و أوله شكل الإرهاب الرسمي الأخطر على سلامة الأمم.