30 أكتوبر 2025
تسجيلما يدور اليوم في أرض وسماء الشرق من حروب وعواصف وفتن هو صورة ميليودرامية زاعقة عن واقع مؤلم تعيشه شعوب المنطقة وهي تعيش تفاصيل حرب كونية مصغرة بدأت تتجمع سحب توسعها وخروجها عن السيطرة، فالحالة في سوريا بعد الدخول الروسي العسكري الواسع على الخط باتت كارثية وتنذر باحتمالات رهيبة لتطور الصراع الذي أضحى اليوم مشابها لحالة الحرب الأهلية الإسبانية منتصف ثلاثينيات القرن الماضي وحين استعانت قوات الجنرال فرانكو الملكية بالجيش الألماني الذي دمر طيرانه مدنا وقرى إسبانية عدة من أشهرها (جورنيكا) التي خلدها الرسام الإسباني بيكاسو في لوحته الشهيرة المسماة بنفس الاسم!. طلب دولة لمساعدة دولة أخرى في ضرب شعبها الثائر حالة فريدة من نوعها في العالم العربي، فالنظام السوري الذي كان موشكا على الانهيار في الشهور الأولى من ثورة مارس عام 2011 احتمى بحلفائه الإقليميين وخصوصا النظام الإيراني الذي أدارت قيادة حرس ثورته العسكرية المعارك في الشام مستعينة بالاحتياطي الطائفي القادم من لبنان والعراق من خلال ميليشيات حزب الله والميليشيات العراقية كأبي الفضل ثم حزب الله ثم العصائب والتي تدخلت في النزاع لدوافع ومبررات مذهبية بحتة بذريعة الدفاع عن المزارات الشيعية المقدسة في ريف دمشق وغوطتها!، ولكن الأمر كان أبعد من ذلك بكثير، فقد شاركت تلكم العصابات في معارك حمص وحلب وإدلب!! لتتجاوز بذلك الأسباب الطائفية المعلنة، فقد كان واضحا منذ البداية بأن التحالف الإستراتيجي القائم بين دمشق وطهران قد تحول في عهد بشار الأسد لرباط مقدس ورط الإيرانيين في معارك لم يكونوا يتخيلونها أفقدتهم جمهرة من كبار جنرالاتهم الذين خاضوا صفحات الحرب الطويلة الشرسة مع العراق في حرب الأعوام الثمانية، وحيث ما زالت الخسائر متواصلة والاستنزاف على أبعد مداه، وبرغم حجم وعنف التدخل والمساعدة الإيرانية إلا أن اتساع خرق المواجهة وازدياد شراسة الحرب تطلبت طلب مساعدة الحليف الروسي القديم والذي يريد تصفية حساباته المعلقة مع الغرب في ملفات أوكرانيا والغاز ومسائل أخرى على حساب الدم السوري!، والتدخل الروسي يظل محدودا ضمن إطار الغارات الجوية والتي كانت أهدافها واضحة لا تتعلق أبداً باستهداف تنظيم الدولة (داعش)، بل بفك الحصار عن النظام وتدمير كل القوى المعارضة وفي طليعتها الجيش السوري الحر الذي استهدفته الضربات الأولى للطيران الروسي. ولكن بعد امتصاص الصدمة الأولى تبين لاحقا أن أزمة النظام السوري مستعصية ولا يمكن لغارات جوية محدودة أن تحل المعضلة في ظل انهيار المؤسسة العسكرية السورية وتسرب عناصرها وانهيار معنوياتها بالكامل رغم كل الحقن الإيرانية المستمرة من خلال خطط المستشارين الحرسيين والزيارات المكوكية لقادة الأمن القومي الإيراني من أمثال علي شمخاني أو علاء الدين بروجردي أو دخول السردار قاسم سليماني (سوبرمان) الحرس الثوري للشمال السوري لتنظيم حرب استعادة مدن وقرى الشمال لأهداف تكتيكية طائفية محضة!! وتحت ظلال الطائرات الروسية، الإيرانيون يعلمون مليا بأنهم يخوضون حربا مصيرية صعبة تتطلب إدارة متميزة وذكية لأوراق الصراع، لذلك كان حرصهم شديدا وهم ينزفون بغزارة ويفقدون خيرة رجالهم أن يحاولوا إظهار مكامن قوة خفية قد تدفع خصومهم للتفكير من جديد، لذلك كان حديثهم عن تجاربهم الصاروخية الباليستية، وتهديداتهم لأمن الخليج العربي يضاف لذلك تعمدهم نشر صور الأنفاق والسراديب بعمق 500 متر التي تضم مرابض صواريخهم المعدة للانطلاق وفقا لإرادة ورغبة المرشد الأعلى، وهو تهديد مثير للسخرية ولن ينفع في معالجة الأزمة السورية التي باتت تستقطب مقاتلين من كوبا أيضا أرسلوا لمساندة الجيش الحكومي السوري. والواقع أن انتصارات المعارضة السورية المسلحة على الأرض رغم الضربات الجوية الروسية قد فرضت أوضاعا جديدة يتحتم معها تدخل بري روسي مباشر ستكون نتائجه مرعبة ومباشرة على مستقبل الزعيم الروسي، فالمغامرة تذكر بأجواء أفغانستان والتجربة الروسية المرة هناك، وإذا كانت للإيرانيين أهداف إستراتيجية مباشرة في دعم الأسد تتعلق ببرنامجهم التبشيري والعقائدي وبعقدة المجال الحيوي الإيراني، فإن الروس لا مصلحة لهم بذلك وليسوا بالتالي على استعداد بالتسبب أو الدخول في نزاع نووي مع الغرب من أجل نظام يحتضر ويعلم الروس جيدا بعدم إمكانية إعادة تأهيله.. طهران في حربها السورية تدافع عن تخوم حصونها في طهران وقلاع جماعتها في الشرق وهي اليوم تعيش هزيمة حقيقية وكارثية لا تملك من وسيلة للتعامل معها وتخفيف آثارها سوى إطلاق التهديدات، وهو سلاح ذو حدين!!. الشرق على أبواب متغيرات مرعبة!!