13 سبتمبر 2025
تسجيلكتب الأستاذ فهمي هويدي مقالاً في صحيفتنا الموقرة "الشرق" حول الصراع السياسي الدائر في مصر، مشيراً إلى أن أصل الصراع فيما يبدو يدور بين قيمتين أساسيتين هما: قيمة الديمقراطية التي انتهكها العسكر بانقلابهم ضد الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، وقيمة الشرعية التي يرفع لواءها "التحالف الوطني لدعم الشرعية" الذي يشترط عودة تلك الشرعية المتمثلة في الرئيس المنتخب والبرلمان والدستور المستفتى عليه، حتى تتوقف التظاهرات والفعاليات المضادة للانقلاب. ويرى الأستاذ هويدي أن الأولى هو الاهتمام بإعادة الديمقراطية لأنها الأصل الذي سيترتب عليه عودة الشرعية باعتبارها الفرع الذي خرج من هذا الأصل، ومن أجل تجنيب مصر المزيد من الدماء والانهيار السياسي والاقتصادي المترتب على استمرار هذا الصراع الدائر. وبمناقشة هذه الفكرة التي يطرحها، سنجد أنها تعني ببساطة شديدة القبول بالأمر الواقع الذي أنشأه الانقلاب، وبالتالي عدم عودة الشرعية والدخول في العملية السياسية الجديدة التي تم الإعلان عنها في إعلان الانقلاب يوم 3 يوليو الماضي والتي تقوم على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بعد توفر الاستقرار السياسي للبلاد، أي بعد توقف الفعاليات التي يقوم بها معارضو الانقلاب. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن الوثوق في المؤسسة العسكرية التي قامت بالانقلاب على التجربة الديمقراطية الوليدة، في المساهمة في إعادة بناء هذه التجربة مرة أخرى من خلال إجراء هذه الانتخابات؟ فهذا أمر يتصادم مع المنطق، إذ كيف تقوم تلك المؤسسة بالانقلاب على الديمقراطية ثم تعيد بناءها مرة أخرى، خاصة أن البيئة السياسية التي أنتجت هذه التجربة الديمقراطية مازالت كما هي لم تتغير، فالتيار الإسلامي مازال هو الأقوى، وبالتالي فإن نتائج أي انتخابات قادمة – في حال تم إجراؤها بنزاهة - ستصب في صالح ذلك التيار الذي انقلبت عليه. فرغم المحاولات الحثيثة التي قامت بها المؤسسة العسكرية لتغيير تلك البيئة السياسية من خلال محاولة الإقصاء الكامل للتيار الإسلامي من المشهد السياسي بالقتل والاعتقالات، وذلك بمساندة إعلامية غير مسبوقة تقوم بتشويه هذا التيار وإظهاره بمظهر المعادي والكاره لهذا الوطن.. رغم ذلك إلا أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، والدليل على ذلك المظاهرات الضخمة التي تخرج بشكل يومي لمساندة هذا التيار ونضاله من أجل عودة الشرعية. من هنا يمكن القول إن طرح الأستاذ هويدي غير منطقي، لأن الواقع يشير إلى أن الأصل ليس عودة الديمقراطية وإنما الأصل هو عودة الشرعية التي تضمن استمرار التجربة الديمقراطية، بعد القضاء على أي محاولات مستقبلية للإجهاز عليها كما حدث من خلال هذا الانقلاب. ذلك أن عودة الشرعية تعني إقصاء القيادات العسكرية والأمنية التي قامت بالتخطيط لهذا الانقلاب، ثم القيام بتطهير المؤسسة العسكرية وباقي المؤسسات الأمنية من الثقافة المسيطرة عليها والتي تدفعها إلى القتال من أجل استمرار سيطرتها على الحكم، على غير إرادة الشعب، واستبدالها بثقافة جديدة تقوم على أساس أن تلك المؤسسات هي مجرد خادم مطيع للشعب ولاختياراته السياسية المتمثلة في رئيسه المنتخب وبرلمانه الذي يختاره. أي أن عودة الشرعية لن تؤدي فقط إلى عودة الديمقراطية، بل ستؤدي أيضا إلى التطهير الكامل لكافة مؤسسات المجتمع، خاصة مؤسسات القوة، بما يؤدي في النهاية لتقوية تلك الديمقراطية الوليدة والإسراع بخطواتها نحو آفاق أرحب.