11 سبتمبر 2025
تسجيلالعالم العربي يتعرض لحالة من التفكيك بالسكين، وهو تفكيك يهدف إلى بناء "حالة عربية ملائمة" لمرحلة ما بعد قتل الثورات العربية، والحقيقة أن الثورات العربية نبهت القوى المضادة إلى ضرورة الاستفادة من الدروس التي صنعتها والخلخلة التي أدت عليها، للحيلولة دون سقوط نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، الذي يمثله النظام الرسمي، فسقوط التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسني مبارك والليبي معمر القذافي وإبعاد اليمني علي صالح عن السلطة وزلزلة الأرض تحت أقدام السوري بشار الأسد أرعبت باقي الشركاء "نادي الأنظمة الرسمية" ودب في قلوبهم الرعب، فتداعوا للحيلولة دون انتشار "شرور الثورات العربية" ووقف مدها وانتشارها، وكونوا حلفا مضادا لمحاربة هذه الثورات والعودة بالأوضاع إلى ما قبل 17 ديسمبر كانون ثاني 2010 وهو اليوم الذي احرق فيها محمد البوعزيزي نفسه ليشعل أول ثورة عربية شاملة في العصر الحديث.لا بد من الاعتراف أن القوة المناهضة للثورة أو ما يسمى "الثورة المضادة" نجحت بتصنيع "تكتل" ضد الثورات الشعبية، مدعوم بمليارات الدولار وبإعلام عابر للحدود، وبالة دعائية ضخمة، ورتبت هذه القوى حلفا متماسكا رغم التباينات بينها، وتمكنت من تحقيق إنجازات على عدة مراحل، فقد استطاعت في المرحلة الأولى استيعاب الصدمة ثم احتواء المفاجأة التي أطاحت بثلاثة من الرؤساء في 3 دول في المرحلة الثانية، ثم تفكيك مفاعيل الثورة كما حدث في اليمن في المرحلة الثالثة، وبعد ذلك الانتقال إلى الهجوم المضاد الشامل ضد الثورات في المرحلة الرابعة كما حدث في مصر وليبيا، ثم توسيع هذا التحالف العربي ليشمل "إسرائيل" في المرحلة الخامسة لتوجيه "ضربة قاضية" لأي تهديد لهذا النظام "العربي- الإسرائيلي"، وقد برز دشن هذا التحالف رسميا وأعلن عنه أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وانخرطت أطراف عربية "من بينها مجموعتين فلسطينيتين" بشكل مباشر أو غير مباشر في الحرب العدوانية على الشعب الفلسطيني في القطاع. وصولا إلى المرحلة السادسة التي نعيش في ظلالها حاليا والتي تشمل توسيع التحالف "العربي- الإسرائيلي" ليشمل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وأستراليا وأطراف أخرى تضم 40 دولة بقيادة العراب الأمريكي، وإعلان جون كيري، وزير خارجية باراك أوباما، "مندوبا ساميا" ولكن "بحلة جديدة" للعالم العربي، ليكشف عما سماها "استراتيجية لمكافحة الإرهاب" وهي في حقيقتها ليست استراتيجية ولا يحزنون، وليست أكثر من أفكار "قابلة للتطوير" كما قال كيري بنفسه.المعلن في هذه الاستراتيجية التصدي لتنظيم الدولة الإسلامية أو ما يسمى إعلاميا "داعش" واستئصاله، لكن الحقيقة أن هذا التنظيم "الغريب العجيب" الذي لفظه قادة القاعدة الكبار ومنظريه، ليس أكثر من أداة مصنوعة من أجل إيجاد المبررات لتدمير العالم العربي كلها من المحيط إلى الخليج، وإقامة "عالم عربي جديد" خال من الثورات والتمردات والاحتجاجات، ولكل طرف من أطراف "الحلف الداعشي المضاد" أسبابه، فالأنظمة العربية القلقة تريد القضاء على فكرة الثورة واستئصال منبتها ومحركيها على الأرض، وإيران تريد الاستمرار في بناء "الحلم الإمبراطوري الشيعي بقيادة فارسية" وأميركا تريد الاستمرار بالهيمنة على مقدرات الأمة العربية وثرواتها ومواصلة السيطرة على "الجغرافيا السياسية العربية" والكيان الإسرائيلي يريد أن يطيل من بقائه في فلسطين المحتلة، وتبقى تركيا، القوة الإقليمية الكبرى" تاهة في اللجة من دون أهداف محددة، باستثناء منع النار من الاقتراب من حدودها، وعدم تورطها في الحرب بشكل مباشر، رغم أن "تفكيك العالم العربي" يعني بالضرورة التأثير على مصالحها، بل وعلى وضعها الجيوسياسي.اول نتيجة لهذا التحالف الأربعيني القائم حاليا هو تقديم الأنظمة العربية فلسطين "عربون" مدفوع مقدما ثمنا لهذا التحالف الذي يضم "إسرائيل"، مقابل حماية هذه الأنظمة من السقوط، ويشمل ذلك سلطة محمود عباس ميرزا في رام الله، وهذا يعني أن هذه الدول العربية من أعضاء الحلف ستقاتل مع العدو الإسرائيلي جنبا إلى جنب في المرحلة المقبلة ضد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة لاستئصال حماس والجهاد وباقي الفصائل المقاومة، لأنه لا معنى لوجود هذا الحلف "العربي الإسرائيلي الأميركي"من دون قتال "الاعداء المشتركين" بما في ذلك المقاومة الفلسطينية وعلى راسها حركة حماس بوصفها، الذراع العسكري الاقوى للفكرة الجهادية الإسلامية، ومعها حركة الجهاد الإسلامي أيضا، وأن كانت أقل خطورة من حماس بسبب اعتمادها على إيران بشكل كامل، مما يجعل منها ضحية أي اتفاق إيراني غربي محتمل.المرحلة المقبلة مليئة بالمفاجآت الكبرى، وإعلان الحرب على "داعش" ليس إلا "شيفرة" البدء للحرب الكبرى لتفكيك العالم العربي بحد السكين رغم ما يمكن أن يريقه ذلك من دماء عربية كما يجري في العراق وسوريا وفلسطين.